الباب السابع من الموسوعة الفقهية : المسح على الخُفَّين
الفصل الأوَّل: تعريف المسح على الخُفَّين، وحِكمة مشروعيَّته.
الفصل الثَّاني: حُكم المسح على الخُفَّين وما يُلحَق بهما.
الفصل الثَّالث: شروط المسح.
الفصل الرَّابع: صفة المسح على الخفَّين.
الفصل الخامس: مدَّة المسح.
الفصل السَّادس: مبطلات المسح على الخفَّين.
الفصل السَّابع: المسح على الجبائر.
الفصل الأوَّل: تعريف المسح على الخُفَّين، وحِكمة مشروعيَّته
المبحث الأوَّل: تعريف المسح على الخُفَّين:
المسح: هو إمرار اليد المبتلَّة بلا تسييل (1) .
الخُفُّ: هو ما يُلبس في الرِّجل من جلدٍ رقيق (2) .
المبحث الثَّاني: حِكمة مشروعيَّة المسح على الخُفَّين
الحِكمة من المسح على الخُفَّين هي التيسير، والتَّخفيف عن المكلَّفين الذين يشقُّ عليهم نزْعُ الخُفِّ وغَسلُ الرِّجلين، خاصَّةً في أوقات الشِّتاء والبَرد الشَّديد، وفي السَّفر، وما يصاحبه من الاستعجال، ومواصلة السَّفر (3) .
المبحث الأوَّل: حُكم المسح على الخُفَّين
يجوز المسح على الخُفَّين (1) .
الأدلَّة:
أوَّلًا: من الكتاب:
قول الله تعالى: فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ [المائدة: 6].
وجه الدَّلالة:
أنَّه على قراءة الجرِّ في قوله تعالى: وَأَرْجُلكُمْ، تكون (أَرجلِكم) معطوفةً على قوله: وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ، فتدخُل في ضمنِ الممسوح حين تكون مستورةً بالخفِّ ونحوه، كما بيَّنتْه السُّنَّة (2) .
ثانيًا: من السُّنَّة:
عنِ المُغيرة بنِ شُعبةَ رضي الله عنه قال: كنتُ مع النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ في سَفرٍ، فأهويتُ لِأنزعَ خُفَّيْهِ، فقال: ((دَعْهما؛ فإنِّي أدخلتُهما طاهرتينِ، فمَسَح عليهما)) (3) .
عن عبد الله بن عُمرَ، عن سعد بن أبي وقَّاص عن ((النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ أنَّه مَسَح على الخُفَّين))، وأنَّ عبد الله بن عُمرَ سأل عُمرَ عن ذلك فقال: نعَمْ، إذا حدَّثك شيئًا سعدٌ، عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ، فلا تسألْ عنه غيرَه (4) .
عن جعفر بن عَمرِو بن أُميَّة الضَّمريِّ، أنَّ أباه، أخبره أنَّه ((رأى النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ يَمسحُ على الخُفَّينِ)) (5) .
عن همَّام بن الحارث، قال: رأيتُ جريرَ بن عبد الله بال، ثمَّ توضَّأ ومسَح على خُفَّيْهِ، ثم قام فصلَّى، فسُئِل، فقال: (رأيتُ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ صَنَع مِثل هذا) قال إبراهيم: (فكان يُعجبهم؛ لأنَّ جريرًا كان مِن آخِر مَن أسلَمَ) (6)
عن حُذَيفةَ رضي الله عنه، قال: ((كنتُ مع النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ فانتهى إلى سُباطة قوم، فبال قائمًا)) فتنحَّيْتُ فقال:((ادْنُه)) فدنوتُ، حتَّى قمتُ عند عَقبَيهِ ((فتوضَّأ فمَسح على خُفَّيْهِ)) (7) .
ثالثًا: الإجماع:
نقل الإجماع على ذلك: ابن المبارك (8) ، وابن المنذر (9) ، وابن عبد البَرِّ (10) ، والبَغَويُّ (11) ، وابن قُدامة (12) ، والنوويُّ .
المبحث الثَّاني: المسح على الجوارب
المطلب الأوَّل: حُكم المسح على الجَوارب
يجوز المسح على الجَوربين في الجملة (1) ، وهو مذهب الشَّافعيَّة (2) ، والحنابلة (3) ، والظَّاهريَّة (4) ، وبه قال أبو يوسف، ومحمَّد بن الحسن (5) ، ورُوي رجوع أبي حنيفة إليه في مرَضه (6) ، وبه قال بعض السَّلف (7) ، واختاره ابن باز (8) ، وابن عثيمين (9) .
الدليل:
عمَلُ الصَّحابة رضي الله عنهم، وحكَى فيه إجماعَهم: ابنُ حزم (10) ، وابن قُدامة (11) .
المطلب الثَّاني: المسح على الجوارب إذا لم تكُن صفيقةً
اختلف أهل العلم في جواز المسح على الجوارب، إذا لم تكُن صفيقةً (12) ، وذلك على قولين:
القول الأوَّل: يجوز المسح على الجَوربينِ مطلقًا، ولو لم يكونا صَفيقينِ، وهذا مذهب الظَّاهريَّة (13) ، وبه قال بعض السَّلف (14) ، واختاره ابن عثيمين (15) ؛ وذلك لأنَّ المقصود من جواز المسح على الخفِّ، والجوربِ، ونحوهما، الرُّخصةُ للمُكلَّف، والتسهيل عليه، بحيث لا يلزمه خلْعُ الجورب، أو الخفِّ عند الوضوء، وهذه العلَّة يستوي فيها الخفُّ، أو الجورب المخرَّق والسَّليم، والخفيف والثَّقيل (16) .
القول الثَّاني: لا يجوز المسح على الجوارب إذا لم تكن صفيقةً، وهذا مذهب جمهور الفقهاء من الحنفيَّة (17) ، والشَّافعيَّة (18) ، والحنابلة (19) ، وهو اختيار ابن باز (20) .
وذلك للآتي:
أوَّلًا: أنَّه إذا لم يكن صفيقًا، فإنَّه لا يمكن متابعة المشي عليه؛ ولذا لم يجُزِ المسح عليه (21) .
ثانيًا: أنَّ الرَّقيق ليس بساتر، فإذا كان شفَّافًا، فالقدَم في حُكم المكشوفة (22) .
المبحث الثَّالث: المسح على النَّعلينِ
لا يجوز المسح على النَّعلينِ؛ وهذا باتِّفاق المذاهب الفقهيَّة: الحنفيَّة (1) ، والمالكيَّة (2) ، والشَّافعيَّة (3) ، والحنابلة (4) ، وحُكي في ذلك الإجماع (5) ؛ وذلك لأنَّه إذا مسح على نَعليه، فإنَّه حينئذٍ لم يغسل رِجليه، ولم يمسح على ساتر لها، فلم يأتِ بالأصل، ولا بالبَدل (6) .
المبحث الرابع: حُكم المسح على اللَّفائف
اختلف أهل العلم في حُكم المسح على اللَّفائف (1) على قولين:
القول الأوَّل: عدم جواز المسح عليها، وهذا باتِّفاق المذاهب الفقهيَّة: الحنفيَّة (2) ، والمالكيَّة (3) ، والشَّافعيَّة (4) ، والحنابلة (5)، وحُكيَ فيه الإجماع (6) .
وذلك للآتي:
أوَّلًا: أنَّ اللفائف لا تُسمَّى خُفًّا، ولا هي في معناه، والرُّخصة إنما جاءت في مسح الخفَّين.
ثانيًا: أنَّ الخِرَق ونحوها لا تعمُّ الحاجة إليها، كما أنَّه لا مشقَّة في نزعها (7) .
القول الثَّاني: يجوز المسح على اللَّفائف، وهو وجهٌ للحنابلة (8) ، واختاره ابن تيميَّة (9) ، وابن عثيمين (10) .
الدليل:
القياس:
القياس على الخفِّ، فإذا كان الخفُّ قد أباح الشرعُ المسح عليه، فاللِّفافة من باب أَوْلى؛ فمَن يَلبَسها غالبًا يكون من أهل الحاجة، ولُبْسُها يكون للبرد أو للتأذِّي بالحَفاء، أو للتأذِّي بالجُرح .
المبحث الخامس: هل الأفضل المسح على الخُفَّين، أم خَلْعهما وغَسْل الرِّجلينِ؟
المسح للابس الخُفَّين أفضل مِن خلعهما وغَسْل الرِّجلين (1) ، وهو مذهب الحنابلة (2) ، وقول بعض الحنفيَّة (3) ، وهو قول بعض السَّلف (4) ، واختيار ابن المنذر (5) ، وابن تيميَّة (6) ، وابن القيِّم (7) ، والشِّنقيطيِّ (8) ، وابن باز (9) ، وابن عثيمين (10) .
الأدلَّة:
1- عن عُروةَ بن المُغيرةِ، عن أبيه قال: كنتُ مع النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ في سَفرٍ، فأهويتُ لِأنزعَ خُفَّيْهِ، فقال: ((دَعْهما؛ فإنِّي أدخلتُهما طاهرتينِ، فمَسَح عليهما)) (11) .
2- أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم لم يكن يتكلَّف ضدَّ حاله التي عليها قدماه، بل إنْ كانتَا في الخُفِّ، مسح عليهما ولم ينزعهما، وإنْ كانتَا مكشوفتَينِ، غَسل القَدمين ولم يَلبَس الخفَّ؛ ليمسحَ عليه (12) .
المبحث الأوَّل: هل يُشترط أن يكون الممسوح عليه جِلدًا؟
لا يُشترط أن يكون الممسوح عليه جِلدًا، وهذا مذهب جمهور الفقهاء من الحنفيَّة (1) ، والشَّافعيَّة (2) ، والحنابلة (3) ، واختاره ابن حزم (4) .
وذلك للآتي:
أوَّلًا: أنَّ الرُّخصة جاءتْ في المسح على الخفَّين؛ فكلُّ ما صدَق عليه اسم الخُفِّ أو قام فيه معناه، جاز المسح عليه؛ جِلدًا كان أو غيره، ولا يجوز تقييد مطلقات النُّصوص إلَّا بدليل (5) .
ثانيًا: أنَّ سبب التَّرخيص الحاجة إلى ذلك، وهي موجودةٌ في المسح على غير الجِلد.
المبحث الثَّاني: أن يثبُت الخفُّ بنفسه
اختلف أهل العلم في اشتراط ثبوت الخفِّ بنفسه، وذلك على قولين:
القول الأوَّل: يُشترط في الخفِّ أن يثبت بنفسه، وهذا باتِّفاق المذاهب الفقهيَّة: الحنفيَّة (1) ، والمالكيَّة (2) ، والشَّافعيَّة (3) ، والحنابلة (4) .
وذلك للآتي:
أوَّلًا: أنَّ الرُّخْصة إنَّما وردتْ في الخفِّ المعتاد، الذي يُمكن متابعةُ المشي عليه، وليس مثلَه ما لا يمكن متابعةُ المشي عليه (5) .
ثانيًا: أنَّ الذي تدْعو الحاجة إلى لُبسه هو الذي يُمكن متابعة المشي فيه، فأمَّا ما يسقط إذا مشى فيه، فلا يشقُّ نزْعه، ولا يحتاج إلى المسح عليه (6) .
القول الثَّاني: لا يُشترط أن يثبت الخفُّ بنفسه، وهو وجه عند الشَّافعيَّة (7) ، واختاره ابن تيميَّة (8) ، وابن عثيمين (9) ؛ وذلك لأنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ قد أمر أمَّته بالمسح على الخفَّين، ولم يقيِّد ذلك بكون الخفِّ يثبُت بنفْسه أو لا يثبُت بنفْسه
المبحث الثَّالث: أن يكون الخفُّ ساترًا لما يجب غسلُه.
اختلف أهل العلم في اشتراط أن يكون الخفُّ ساترًا لما يجب غسله على قولين:
القول الأوَّل: يُشترط أن يكون الخف ساترًا لمحلِّ الفرض، وهذا باتِّفاق المذاهب الفقهيَّة: الحنفيَّة (1) ، والمالكيَّة (2) ، والشَّافعيَّة (3) ، والحنابلة (4) .
وذلك للآتي:
أوَّلًا: أنَّ الرُّخصة في المسح على الخفَّين جاءت في الخِفاف التي تستُر محلَّ الفرض؛ فيجب الاقتصار على محلِّ الرُّخصة (5) .
ثانيًا: أنَّه لو لم يستر محلَّ الفرض، فإنَّه يكون حُكم ما ظهر من القدم الغَسلَ، وحُكم ما استتر المسحَ، ولا سبيل إلى الجمع بين الغَسل والمسح من غير ضرورة؛ فغلب الغَسل كما لو ظهرت إحدى الرِّجلين (6) .
ثالثًا: أنَّ ما لا يستر محلَّ الفرض أشبَهَ النَّعلين؛ فلا تتعلَّق به الرُّخصة (7) .
القول الثَّاني: لا يُشترط أن يكون الخُفَّان ساترينِ لمحلِّ الفرض، واختاره ابن حزم (8) ، وابن تيميَّة (9) ، وابن عثيمين (10) .
وذلك للآتي:
أوَّلًا: أنَّ الرُّخصة في النُّصوص جاءت عامَّة في المسح على الخِفاف، وليس فيها اشتراط أن تكون الخفافُ ساترةً لمحلِّ الفرض (11) .
ثانيًا: أنَّه خفٌّ يمكن متابعة المشي معه؛ فلا فرْقَ مؤثِّرًا بينه وبين السَّاتر.
ثالثًا: أنَّه لو كان ثَمَّة حدٌّ محدود، لما أهمله عليه الصَّلاة والسَّلام ولا أغفله؛ فوجب أنَّ كلَّ ما يقع عليه اسم خفٍّ أو جورب، أو لُبِس على الرِّجلين، فالمسح عليه جائز (12) .
المبحث الرَّابع: المسح على الخفِّ المُخرَّق:
اختلف أهل العلم في حُكم المسح على الخُفِّ المخرَّق على أقوال، أقواها قولان:
القول الأوَّل: يجوز المسح عليه إذا كان الخَرْق يسيرًا (1) ، وهو مذهب الحنفيَّة (2) ، والمالكيَّة (3) ، واختاره ابن باز (4) ،
وذلك للآتي:
أوَّلًا: أنَّ الخفَّ قلَّما يخلو عن قليل خرق، فجُعل القليل عفوًا (5) .
ثانيًا: أنَّ الأكثر معتبَر بالكَمال (6) .
القول الثَّاني: يجوز المسح على الخفِّ المخرَّق مطلقًا، ما دام المشي فيه ممكنًا؛ وهذا مذهب الظَّاهريَّة (7) ، وهو قول قديم للشافعيِّ (8) ، وبه قال بعض السَّلف (9) ، واختاره ابن المنذر (10) ، وابن تيميَّة (11) ، والشِّنقيطيُّ (12) ، وابن عثيمين (13) .
وذلك للآتي:
أوَّلًا: أنَّ الشَّارع أمَرَنا بالمسح على الخُفَّين مطلقًا، ولم يقيِّده بالخفِّ غير المخرَّق (14) .
ثانيًا: قد عَلِم رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ أنَّ من الخِفاف والجوارب وغير ذلك ممَّا يُلبس على الرجلين المخرَّق خرقًا فاحشًا أو غير فاحش، وغير المخرَّق، فما خصَّ عليه الصَّلاة والسَّلام بعضَ ذلك دون بعض، ولو كان حُكم ذلك في الدِّين يختلف، لَمَا أغفله الله تعالى عن أن يوحي به، ولا أهمله رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ المفترَض عليه البيان، حاشَا له من ذلك؛ فصحَّ أنَّ حُكم ذلك المسح على كلِّ حال (15) .
ثالثًا: أنَّ معظم الصَّحابة فقراء، وخِفافهم لا تخلو من فتوق أو خروق، وهل كانت خفاف المهاجرين والأنصار إلَّا مشقَّقة مخرَّقة ممزَّقة؟! فلو كان الفتق أو الخرق مؤثرًا لبيَّنه النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ؛ لأنَّ الأمر يتعلَّق بالصَّلاة (16) .
رابعًا: أنَّ اشتراط كون الخِفاف سليمةً من الخروق منافٍ للمقصود من الرُّخصة، من حيث التخفيفُ على المكلَّفين (17) .
خامسًا: تَساوي الخفِّ السَّليم والمخروق فيما شُرِع لأجْله المسح، وهو المشقَّة في نزعهما (18) .
المبحث الخامس: أن يَمنَع نفوذَ الماء
اختلف العلماء في اشتراط كون الخفِّ يَمنع نفوذَ الماء، على قولين:
القول الأوَّل: يُشترط؛ وهو مذهب الحنفيَّة (1) ، والشَّافعيَّة (2) ، وقول عند الحنابلة (3) .
وذلك للآتي:
أوَّلًا: أنَّ الغالب في الخِفاف أنَّها تمنع نفوذ الماء، فتنصرِف إليها النُّصوص الدالَّة على التَّرخيص، ويبقى الغَسل واجبًا فيما عداها (4) .
ثانيًا: أنَّ الذي يقع عليه المسحُ ينبغي أن يكون حائلًا بين الماء والقدَم؛ حتى لا يجتمع المسح والغَسل؛ فالمسحُ على الخُفَّين بدلٌ عن غَسل الرِّجلين (5) .
القول الثَّاني: لا يُشترط أن يكون الخفُّ مانعًا لنفوذ الماء، وهو مذهب الحنابلة (6) ، ووجه عند الشَّافعيَّة (7) ، واختاره ابن تيميَّة (8) وابن عثيمين (9) .
وذلك للآتي:
أوَّلًا: أنَّه لا يوجد دليلٌ على اعتبار هذا الشَّرْط.
ثانيًا: لوجود السَّتر (10) .
المبحث السَّادس: أن يكون الخفُّ مباحًا
لا يجوز المسح على الخفِّ المحرَّم (1) مطلقًا؛ وهو مذهب الحنابلة (2) ، وقول للمالكيَّة (3) ، وقول للشَّافعيَّة (4) ، وهو اختيار ابن باز (5) وابن عثيمين (6) .
وذلك للآتي:
أوَّلًا: أنَّ لُبسه معصيةٌ؛ فلم تتعلَّق به رُخصة (7) .
ثانيًا: أنَّ المسح إنَّما جاز لمشقَّة النَّزع، وهذا عاصٍ بترك النَّزع واستدامة اللُّبس؛ فينبغي ألَّا يُعذَر (8) .
لا يصحُّ المسح على الخفِّ النَّجسِ العين، نصَّ على ذلك الشَّافعيَّة (1) ، والحنابلة (2) ، وبعض فقهاء المالكيَّة (3) ؛ وذلك لأنَّ الخفَّ بدل عن الرِّجل، فلو كانت الرِّجل نجسةً لم تُغسل عن الوضوء حتى تطهُر عن النَّجاسة، فكذلك لا يمسح على بدلها وهو نجس العين (4) .
المبحث الثَّامن: أن يكون الماسح على طهارة مائيَّة
مِن شرْط المسح على الخفِّ أن يكون الماسحُ على طهارة مائيَّة، فلا يصحُّ المسح على طهارة التيمُّم، وهذا باتِّفاق المذاهب الفقهيَّة: الحنفيَّة (1) ، والمالكيَّة (2) ، والشَّافعيَّة (3) ، والحنابلة (4) ، وحُكي الإجماع على ذلك (5) .
الأدلَّة:
أولًا: من السُّنَّة:
عن المُغيرة بن شُعبةَ رضي الله عنه قال: ((كنتُ مع النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ في سَفرٍ، فأهويتُ لِأنزعَ خُفَّيْهِ، فقال: دَعْهما؛ فإنِّي أدخلتُهما طاهرتينِ، فمَسَح عليهما)) (6) .
وجه الدَّلالة:
أنَّ قوله عليه الصَّلاة والسَّلام: ((فإنِّي أدخلتُهما طاهرتين)) متعلِّق بالرِّجلين، وهذا لا يكون إلَّا بالطَّهارة المائيَّة، أمَّا طهارة التيمُّم، فهي متعلِّقةٌ بالوجه والكفَّين، ولا علاقة لها بالرِّجلين (7) .
ثانيًا: أنَّ المتيمِّم لبِس الخفَّ على طهارة غير كاملة (8) .
المبحث التَّاسع: لُبس الخفَّين بعد كمال الطَّهارة
اختلف أهلُ العلم في اشتراط لُبس الخفَّين بعد كمال الطَّهارة على قولين:
القول الأوَّل: يُشترط لجواز المسح على الخفَّين أن يكون لبِسهما بعد غَسل الرِّجلين كِلتيهما، وهو مذهب جمهور الفُقهاء، من المالكيَّة (1) ، والشَّافعيَّة (2) ، والحنابلة (3) ، واختاره الشِّنقيطيُّ (4) ، واختاره احتياطًا ابن باز (5) ، وابن عثيمين (6) .
الأدلَّة:
1- عن المُغيرة بن شُعبة رضي الله عنه قال: كنتُ مع النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ في سفَر، فأهويتُ لأنزِعَ خفَّيه، فقال:((دعْهما؛ فإنِّي أدخلتُهما طاهرتين، فمسَح عليهما)) (7) .
وجه الدَّلالة:
أنَّ عموم قوله صلَّى الله عليه وسلَّمَ ((أدخلتُهما طاهرتين)) يدلُّ على اشتراط
الطَّهارة الكاملة عند إدخال الخفَّين لصحَّة المسح عليهما.
القول الثَّاني: لا يُشترط أن يكون لُبس الخفَّين بعد كمال الطهارة؛ وهو مذهب الحنفيَّة (8) ، والظَّاهريَّة (9) ، ورواية عند الحنابلة (10) ، وبه قال طائفة من السَّلف (11) ، واختاره ابن تيميَّة (12) ، وابن القيِّم (13) .
الأدلَّة:
أولًا: من السُّنَّة:
عن المُغيرةِ بن شُعبَةَ رضي الله عنه قال: كنتُ مع النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ في سَفرٍ، فأهويتُ لِأنزعَ خُفَّيْهِ، فقال: ((دَعْهما؛ فإنِّي أدخلتُهما طاهرتينِ، فمَسَح عليهما)) (14) .
وجه الدَّلالة:
أنَّ مَن غَسل إحدى رِجليه ثم ألبسها الخفَّ، ثم غسَل الثَّانية ثم ألبَسها الخفَّ، فإنَّه يصدُق عليه أنَّه أدخل قدميه في الخفِّ طاهرتين (15) .
ثانيًا: أنَّ المخالف يأمره - حتى تصحَّ طهارته - أن ينزعَ خفَّه الأيمن، ثم يلبسه مرةً أخرى؛ حتى يصدُق عليه أنَّه لبسه على طهارة كاملة، وهذا عبَثٌ محض يُنزَّه الشَّارع عن الأمر به، ولا مصلحة للمكلَّف في القيام به
المبحث العاشر: أن يكون المسح لطهارة صُغرى
يجوز المسح على الخفَّين في الحدَث الأصغر دون الحدَث الأكبر (1) .
الأدلَّة:
أولًا: من السُّنَّة:
عن صَفوانَ بن عَسَّال رضي الله عنه قال: ((كان رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ يأمُرنا إذا كنَّا على سفَر أنْ لا نَنزعَ خِفافنا ثلاثةَ أيَّام ولياليهنَّ، إلَّا مِن جَنابة، ولكن من غائطٍ وبول ونوم)) (2) .
ثانيًا: الإجماع:
نقَل الإجماع على ذلك: ابن قدامة (3) ، والنوويُّ (4) ، وابن حجر (5) .
المبحث الحادي عشر: أحكام لُبس الخفِّ على الخفِّ
المطلب الأوَّل: مَن توضَّأ ولبِس الخفَّ الأوَّل ثمَّ الثَّاني، ثمَّ أحْدَث
مَن توضَّأ ولبس الخفَّ الأوَّل ثمَّ الثَّاني، ثمَّ أحدث، فله أن يمسحَ على الأعلى (1) ، وهذا مذهب جمهور العلماء من الحنفيَّة (2)، والمالكيَّة (3) ، والحنابلة (4) ، وهو القول القديم عند الشَّافعيَّة (5) ؛ وذلك لكونه لبِسهما على طهارة (6) .
المطلب الثَّاني: مَن توضَّأ ولبِس الخفَّ الأوَّل، ثمَّ أحْدَث، ثمَّ مسح عليه، ثمَّ لبِس الثَّاني
اختلف العلماء في مَن لبِس الخفَّ الأوَّل، ثمَّ أحْدَث، ثمَّ مسح عليه، ثمَّ لبِس الخفَّ الثَّاني؛ هل يمسح عليه؟ على قولين:
القول الأول:
لا يجوز المسح على الخفِّ الأعلى، وهذا مذهب جمهور العلماء من الحنفيَّة (7) ، والشَّافعيَّة (8) ، والحنابلة (9) .
وذلك للآتي:
أوَّلًا: أنَّ حُكم المسح استقرَّ بالخفِّ، فصار من أعضاء الوضوء حُكمًا (10) .
ثانيًا: أنَّ اللبس بعد مُضيِّ بعضِ المدَّة يمنع البناء (11) .
القول الثاني:
يجوز المسح على الخفِّ الأعلى، وهو مذهب المالكيَّة (12) ، والقديم عند الشَّافعيَّة (13) ، واختاره ابن باز (14) ؛ وذلك لأنَّ المسح قائمٌ مقام غَسل القدَم في رفْع الحدَث، فصار لبسهما على طهارة (15) .
المطلب الثَّالث: مَن توضَّأ ولبس الخفَّ الأوَّل، ثمَّ أحدث، ثمَّ لبس الثَّاني قبل أن يمسح الأوَّل
مَن توضَّأ ولبس الخفَّ الأوَّل، ثم أحْدَث، ثم لبِس الخفَّ الثَّاني قبل أن يمسح الأوَّل؛ فليس له أن يمسح على الأعلى؛ وهذا باتِّفاق المذاهب الفقهيَّة: الحنفيَّة (16) ، والمالكيَّة (17) ، والشَّافعيَّة (18) ، والحنابلة (19) ، وحُكي فيه الإجماع (20) .
وذلك للآتي:
أوَّلًا: أنَّ مِن شرْط جواز المسح على الخفِّ لُبسَه على طهارة، وهذا قد لَبِس الخفَّ الثَّاني وهو مُحدِث (21) .
ثانيًا: أنَّ الحدَث حلَّ بالخفِّ الملبوس أولًا، فلا يتحوَّل إلى غيره (22) .
المبحث الأوَّل: مسْح أسفل الخفِّ
لا يُمسح أسفلُ الخفِّ؛ وهو مذهب الحنفيَّة (1) ، والحنابلة (2) ، والظَّاهريَّة (3) ، وبه قال طائفة من السَّلف (4) ، واختاره ابن المنذر (5) ، وابن باز (6) ، وابن عثيمين (7) .
الأدلَّة:
أولًا: من السُّنَّة:
عن عليٍّ رضي الله عنه قال: ((لو كان الدِّين بالرأي، لكان باطنُ القدمين أحقَّ بالمسح من ظاهرهما، وقد مسح النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ على ظهر خفَّيْهِ)) (8) .
المبحث الثَّاني: تَكرار المسح على الخفَّين
يُكره تَكرار المسح على الخفَّين؛ نصَّ على هذا جمهور الفقهاء من المالكيَّة (1) ، والشَّافعيَّة (2) ، والحنابلة (3) .
الأدلَّة:
أولًا: من السُّنَّة:
عن المغيرة بن شُعبة رضي الله عنه قال: ((كنتُ مع النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ في سفر، فأهويتُ لأنزعَ خفَّيْه، فقال: دعْهما؛ فإنِّي أدخلتُهما طاهرتينِ، فمسَح عليهما)) (4) .
وجه الدَّلالة:
أنَّه ليس في الحديث دَلالة على تَكرار المسح، وإنَّما الظَّاهر أنَّه مسح عليهما مرَّةً واحدة، فكُرِهَت مخالفة الصِّفة الواردة.
ثانيًا: أنًّه مَسْحٌ؛ فلا يُسنُّ فيه التَّكرار، كمسح الرَّأس (5) .
ثالثًا: أنَّ طهارته مخفَّفة، فكما أنَّها مخفَّفة في الكيف، فتكون مخفَّفة في الكمِّ (6) .
المبحث الثَّالث: هل يَبدأ بالرِّجل اليُمنى ثمَّ اليُسرى، أم يمسحهما معًا؟
يبدأ بمسح الرِّجل اليُمنى ثم اليُسرى؛ وهو مذهب المالكيَّة (1) ، والشَّافعيَّة (2) ، وقول للحنابلة (3) ، واختاره ابن باز (4) .
وذلك للآتي:
أوَّلًا: أنَّ المسح بدلٌ من الغَسل، والبَدل له حُكم المُبدَل، فكما أنَّه يُشرع تقديم اليُمنى على اليُسرى في حالة غَسْل الرِّجلين، فكذلك يُشرع تُقديم مسح اليُمنى على اليُسرى في حالة لُبس الخُفَّين.
ثانيًا: أنَّه لم يأت نصٌّ صريح في مسْح الرِّجلين معًا، فيبقى الأصل، وهو استحباب التيامُن.
المبحث الأوَّل: مدَّة المسح للمقيم والمسافر
يَمسح المقيم يومًا وليلة، والمسافرُ ثلاثة أيَّام بلياليهنَّ؛ وهذا مذهب جمهور الفقهاء: الحنفيَّة (1) ، والشَّافعيَّة (2) ، والحنابلة (3) ، وهو روايةٌ عن مالك (4) ، وقال به طائفةٌ من السَّلف (5) ، واختاره ابن حزم (6) .
الأدلَّة:
أولًا: من السُّنَّة:
1- عن شُرَيح بن هانئ قال: ((أتيتُ عائشةَ أسألها عن المسح على الخفَّين، فقالت: عليك بابن أبي طالب، فسلْه؛ فإنَّه كان يسافر مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ، فسألناه، فقال: جعَل رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ ثلاثةَ أيَّام ولياليهنَّ للمسافر، ويومًا وليلةً للمقيم)) (7) .
2- عن صفوانَ بن عَسَّال رضي الله عنه قال: ((كان رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ يأمُرنا إذا كنَّا على سفَر أنْ لا ننزِعَ خِفافنا ثلاثة أيَّام ولياليهن، إلَّا مِن جَنابة، ولكن من غائط وبول ونوم)) (8) .
ثانيًا: من آثار الصَّحابة رضي الله عنهم (9) :
عن أبي عُثمان النَّهْديِّ قال: (حضرتُ سعدًا وابنَ عمر يختصمان إلى عمرَ في المسح على الخفَّين؛ فقال عمر: يَمسح عليهما إلى مِثل ساعته من يومه وليلته) (10) .
2- عن شُرَيح بن هانئ الحارثي قال: (سألتُ عليًّا عن المسح فقال: للمسافر ثلاثًا، وللمقيم يومًا وليلة) (11) .
المبحث الثَّاني: متى تَبتدئ مُدَّة المسح؟
تَبتدئ مُدَّة المسح من أوَّل مسْح بعد الحدَث؛ وهو قول الأوزاعيِّ (1) وأبي ثور (2) ، ورواية عن أحمد (3) ، وروايةٌ عن داود الظاهريِّ (4) ، واختاره ابن المنذر (5) ، والنوويُّ (6) ، وابن باز (7) ، وابن عثيمين (8) .
الأدلَّة:
أولًا: من السُّنَّة:
عن عليٍّ رضي الله عنه قال: ((جعَل رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ ثلاثة أيَّام ولياليهنَّ للمسافر، ويومًا وليلةً للمقيم)) (9) .
وجه الدَّلالة:
أنَّ الحديث صريحٌ بأنَّه يمسح ثلاثة، ولا يكون ذلك إلَّا إذا كانت المدَّة من المسح (10) .
ثانيًا: عن أبي عُثمان النَّهديِّ قال: ((حضرتُ سعدًا وابن عمر يختصمان إلى عمر في المسح على الخفَّين؛ فقال عمر: يمسح عليهما إلى مِثل ساعته من يومه وليلته)) (11) .
ثالثًا: أنَّ اعتبار ابتداء المدَّة من الحدَث يَجعَل مدَّة المسح أقلَّ من يوم وليلة للمقيم، وأقلَّ من ثلاثة أيَّام للمسافر.
المبحث الثَّالث: مَن لَبس الخفَّين وهو مقيم ثمَّ سافر
المطلب الأوَّل: مَن لبس الخفَّين وأحْدث وهو مقيم، ولم يمسح إلَّا في السَّفر
مَن لبس الخفَّين وأحْدَث وهو مقيم، ولم يمسحْ إلَّا في السَّفر؛ فإنَّه يمسح مسْحَ مسافر (1) ، وهو مذهب الحنفيَّة (2) ، والشَّافعيَّة (3) ، والحنابلة (4) .
الأدلَّة:
أولًا: من السُّنَّة:
عن عليٍّ رضي الله عنه قال: ((جعَل رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ ثلاثة أيَّام ولياليهنَّ للمسافر، ويومًا وليلة للمقيم)) (5) .
وجه الدَّلالة:
أنَّه حال ابتدائه بالمسح كان مسافرًا وليس مقيمًا؛ ولذا يمسح مسْحَ مسافر؛ ثلاثةَ أيَّام بلياليهنَّ (6) .
المطلب الثَّاني: مَن لبس الخفَّين وهو مقيم ولم يُحدِث، ثمَّ سافر، ولم يمسح إلَّا في السَّفر
مَن لَبِس الخفَّين وهو مقيم ولم يُحدِث، ثمَّ سافر، ولم يمسح إلَّا في السَّفر؛ فإنَّه يمسح مسْحَ مسافر.
الدليل:
إجماعُ كلِّ مَن وقَّت المسح للمسافر بثلاثة أيَّام، وممَّن نقل الإجماعَ على ذلك: النوويُّ (7) ، والعينيُّ (8) .
المطلب الثَّالث: مَن أحدث ومسَح في الحضر، ثمَّ سافر قبلَ تمام يوم وليلة
مَن أحدث ومسح في الحضر، ثمَّ سافر قبل تمام يوم وليلة، يمسح مسْحَ مسافر؛ وهو مذهب الحنفيَّة (9) ، ورواية عن أحمد (10)، واختاره ابن حزم الظاهريُّ (11) ، وابن عثيمين (12) .
الأدلَّة:
أولًا: من السُّنَّة:
عن عليٍّ رضي الله عنه قال: ((جعَل رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ ثلاثة أيَّام ولياليهنَّ للمسافر، ويومًا وليلةً للمقيم)) (13) .
وجه الدَّلالة:
أنَّ الرسول صلَّى الله عليه وسلَّمَ جعل للمسافر أن يَمسح ثلاثة أيَّام ولياليهن، وهذا مسافر.
ثانيًا: أنَّه سافر قبل مُضيِّ مدَّة المسح، فأشبَهَ مَن سافر قبل المسح بعد الحدَث (14) .
ثالثًا: أنَّ الغرض من الرُّخصة التَّخفيف عن المسافرين، وهو بزيادة المدَّة (15) .
المبحث الرَّابع: إذا مسح وهو مسافر ثمَّ أقام
إذا مسَح وهو مُسافر، ثم أقام ولم يستوفِ مسْحَ يوم وليلة، أتمَّ مسْح مقيم؛ وهو مذهب جمهور الفقهاء من الحنفيَّة (1) ، والشَّافعيَّة على الصَّحيح (2) ، والحنابلة (3) .
وذلك للآتي:
أوَّلًا: أنَّ هذا المسافر لمَّا أقام، أصبح حُكمه حُكمَ المقيم، ولا يجوز للمقيم أن يمسح أكثرَ من يوم وليلة.
ثانيًا: أنَّ المسح ثلاثة أيَّام ولياليهنَّ إنَّما هي للمسافر، فإذا انتفى السَّفر، انتفت الرُّخصة (4) .
ثالثًا: أنَّه تلبَّس بالعبادة في الحضر، واجتمع فيها الحضر والسَّفر، فغُلِّب حُكم الحضر احتياطًا (5) .
المبحث الأوَّل: الجَنابة
الجَنابة تنقُض المسح على الخفَّين (1) .
الأدلَّة:
أولًا: من السُّنَّة:
عن صفوانَ بن عسَّال رضي الله عنه قال: ((كان رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ يأمُرنا إذا كنَّا على سفَر أنْ لا ننزِعَ خِفافنا ثلاثةَ أيَّام ولياليهنَّ، إلَّا من جنابة، ولكن من غائط وبول ونوم)) (2) .
ثانيًا: الإجماع:
نقَل الإجماع على ذلك: ابن قدامة (3) ، والنوويُّ (4) .
المبحث الثَّاني: خلْع الخفِّ، أو ظهور بعض القدَم
اختلف أهل العِلم في نقْض المسح بخَلْع الخفِّ، أو ظهور بعض محلِّ الفرْض من القدم، وذلك على قولين:
القول الأوَّل: أنَّه ينقُض المسح، وهذا باتِّفاق المذاهب الفقهيَّة: الحنفيَّة (1) ، والمالكيَّة (2) ، والشَّافعيَّة (3) ، والحنابلة (4) .
وذلك للآتي:
أوَّلًا: أنَّ المانع من سراية الحدَث إلى القدم استتارُها بالخفِّ، وقد زال بالنَّزع، فسَرى الحدَث السابق إلى القدمين جميعًا؛ لأنَّهما في حُكم الطَّهارة كعضو واحد، فإذا وجب غَسْل إحداهما، وجب غَسْل الأخرى.
ثانيًا: أنَّ الأصل غَسل القَدمين، والمسح على الخفَّين بدَلٌ، فإذا زال حُكم البَدل، رُجع إلى الأصل، كالتيمُّم بعد وجود الماء.
ثالثًا: أنَّنا إذا لم نقل بغَسل القدمين، لزم من ذلك أن يصلِّي بقدمين لا مغسولتين ولا ممسوح عليهما، وهذا لا يصحُّ (5) .
القول الثَّاني: أنَّ خلْع الخفِّ، أو ظهور بعض محلِّ الفرض، لا ينقُض طهارته، وليس عليه شيء، ويصلِّي ما لم يُحدِث؛ وهو مذهب الظَّاهريَّة (6) ، وبه قالت طائفةٌ من السَّلف (7) ، واختاره ابن تيميَّة (8) ، وابن عثيمين (9) .
الأدلَّة:
أولًا: من السُّنَّة:
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ قال: ((لا وضوء إلا من صوت أو ريح)) (10) .
وجه الدَّلالة:
أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ لم يوجِب الوضوء إلَّا على مَن تيقَّن سبب وجوبه، وهنا لا يقين على إيجاب الوضوء.
ثانيًا: الأثر:
عن أبي ظَبْيانَ الجَنْبيِّ قال: (رأيتُ عليًّا بال قائمًا حتَّى أرغى، ثم توضَّأ ومسح على نعليه، ثمَّ دخل المسجد فخلع نعليه فجعلهما في كمِّه، ثمَّ صلَّى) (11) .
وجه الدَّلالة:
أنَّه صلَّى مع خلْعه نعليه اللَّتين مسح عليهما، فدلَّ على عدم اعتباره خلْع الممسوح ناقضًا للمسح.
ثالثًا: أنَّ البُرهان قد صحَّ بنصِّ السُّنة والقرآن على أنَّ مَن توضَّأ ومسح على عِمامته وخفَّيه، فإنَّه قد تمَّ وضوءُه، وارتفع حدَثُه، وجازت له الصَّلاة، ولا ينتقض وضوءُه إلَّا ببرهان (12) .
رابعًا: أنَّ الطَّهارة لا ينقضها إلَّا الأحداث، أو نصٌّ وارد بانتقاضها، وخلْع الخفَّين ليس حدَثًا، ولم يرِد نصٌّ يبيِّن أنَّ خلْع الخفَّين سبب لانتقاض الوضوء، فصحَّ أنَّه على طهارته، وأنَّه يصلِّي ما لم يحدِث (13) .
خامسًا: أنَّ التَّفريق في قدْر ظهور محلِّ الفرض، فينقض في حال دون حال، هو تحكُّم في الدِّين ظاهر، وشرْعُ ما لم يأذن به الله تعالى، ولا أوجبه قرآن ولا سُنَّة، ولا قياس ولا قول صاحب، وليس هو بالرأي الـمطَّرد؛ لأنَّهم يرون مرَّة الكثير أكثر من النِّصف، ومرة الثُّلث، ومرَّة الرُّبع، ومرة شبرًا في شِبر، ومرَّة أكثر من قدْر الدِّرهم (14) .
سادسًا: القياس على مَن مسَح شعر رأسه ثم حلَقه، فإنَّه لا ينتقض وضوءه بذلك (15) .
المبحث الثَّالث: انتهاء مُدَّة المسح
انتهاء مدَّة المسح لا ينقُض الطَّهارة، ويصلِّي ما لم يُحدِث؛ وهو مذهب الظَّاهريَّة (1) ، واختاره ابن المنذر (2) ، والنوويُّ (3) ، ابن تيميَّة (4) ، وابن عثيمين (5) .
وذلك للآتي:
أوَّلًا: أنَّ هذه الطَّهارة ثبتت بمقتضى دليل شرعيٍّ، وما ثبت بمقتضى دليل شرعيٍّ، فإنَّه لا ينتقض إلَّا بدليل شرعيٍّ (6) .
ثانيًا: أنَّ الطهارة لا ينقضها إلَّا الأحداث، أو نصٌّ وارد بانتقاضها، وانتهاء مدَّة المسح ليس حدثًا، فصحَّ أنَّه على طهارته، وأنَّه يصلِّي ما لم يحدِث (7) .
المبحث الأوَّل: حُكم المسح على الجَبيرة
يجوز المسح على الجَبيرة (1) في الوضوء، أو الغُسل، أو التيمُّم؛ وهذا باتِّفاق المذاهب الفقهيَّة: الحنفيَّة (2) ، والمالكيَّة (3) ، والشَّافعيَّة (4) ، والحنابلة (5) ؛ وذلك لأنَّ الموضع المصاب مستور بما يَسوغ سترُه به شرعًا، فجاز المسح عليه كالخفَّين (6) .
المبحث الثَّاني: شروط المسح على الجَبيرة
المطلب الأوَّل: أن يكون غسل العضو المصاب مما يضر به
شرْط المسح على الجَبيرة أن يكون غَسْل العضو المنكِسر أو المجروح ممَّا يضرُّ به الماء، أو كان يُخشى حدوث الضَّرر بنزْع الجبيرة، وهذا باتِّفاق المذاهب الفقهيَّة: الحنفيَّة (1) ، والمالكيَّة (2) ، والشَّافعيَّة (3) ، والحنابلة (4) .
الأدلَّة:
أوَّلًا: من الكتاب:
عموم قول الله تعالى: لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا [البقرة: 286].
ثانيًا: من السُّنَّة:
عن أبي هُرَيرَةَ رضي الله عنه، أنَّ النبي صلَّى الله عليه وسلَّمَ قال: ((إذا أمرتكم بأمرٍ فأتُوا منه ما استطعتُم)) (5) .
ثالثًا: أنَّ في نزْع الجبيرة ضررًا؛ وهو مرفوعٌ في الشَّريعة (6) .
المطلب الثَّاني: أن يكون مسْح العضو المصاب ممُّا يضرُّ به
يمسح على الجَبيرة مَن لا يُمكنه المسح على العضو المصاب، وهذا مذهب الحنفيَّة (7) ، والمالكيَّة (8) ، ورواية عن أحمد (9) ؛ وهو اختيار ابن تيميَّة (10) ، وابن القيِّم (11) ، وابن باز (12) ؛ وذلك لأنَّ جواز المسح على الجَبيرة للعُذر، ولا عُذر إذا قدَر على المسح على نفْس الجرح (13) .
المطلب الثَّالث: أن تكون الجَبيرة على قدْر الضَّرورة
يُشترط أن تكون الجبيرة على قدْر الضَّرورة (14) ، نصَّ على هذا المالكيَّة (15) ، والشَّافعيَّة (16) ، والحنابلة (17) ؛ وذلك لأنَّ القاعدة الشرعية: أنَّ ما أُبيح للضرورة يُقدَّر بقدرها (18) .
المبحث الثَّالث: ما لا يُشترط في المسح على الجبائر
المطلب الأوَّل: لا يُشترط أن توضع على طَهارة
لا يُشترط في المسح على الجبيرة أن يكون وضعها على طهارة؛ وهذا مذهب الحنفيَّة (1) ، والمالكيَّة (2) ، وهو وجه للشَّافعيَّة (3)، ورواية عن أحمد (4) ، واختاره ابن قدامة (5) ، وابن تيميَّة (6) ، وابن باز (7) ، وابن عثيمين (8) .
وذلك للآتي:
أوَّلًا: أنَّ الكسر والجرح يقَع بَغتةً، ويطرأ على الإنسان من غير اختياره، فوضْعُها على طهارة ممَّا لا ينضبط، ويغلُظ على الناس جدًّا، وفيه حرج، وقد يترتَّب على تأخيرها إلى تطهُّره ضرر كبير، وقد يكون مغمًى عليه (9) .
ثانيًا: أنَّ المسح عليها جاز دفعًا لمشقَّة نزعها، ونزْعها يشقُّ إذا لبسها على غير طهارة كمشقَّته إذا لبسها على طهارة (10) .
ثالثًا: أنَّه لا يصحُّ قياسها على الخفَّين؛ لوجود الفروق بينهما (11) .
المطلب الثَّاني: لا يُشترط أن يكون المسح من الحدَث الأصغر
يجوز المسح على الجَبيرة في الحدَث الأصغر والأكبر؛ وهذا باتِّفاق المذاهب الفقهيَّة: الحنفيَّة (12) ، والمالكيَّة (13) ، والشَّافعيَّة (14)، والحنابلة (15) .
وذلك للآتي:
أوَّلًا: أنَّ المسح على الجَبيرة من باب الضَّرورة، والضرورة لا فرْق فيها بين الحدَث الأصغر والأكبر، بخِلاف المسح على الخفَّين؛ فهو رُخصة.
ثانيًا: أنَّ هذا العضو الواجب غَسْلُه سُتِر بما يَسوغ ستره به شرعًا؛ فجاز المسح عليه.
ثالثًا: أنَّ المسح عليها جاز؛ دفعًا لمشقَّة نزعها، ونزعها عند الاغتسال فيه مشقَّة وحرج كببير، فلا يصحُّ قياسها على الخفِّين.
المبحث الرَّابع: صفة المسح على الجَبيرة
المطلب الأوَّل: هل يجب استيعاب المسح على الجَبيرة؟
يجب استيعابُ الجَبيرة بالمسح، وهو مذهب الجمهور من المالكيَّة (1) ، والشَّافعيَّة على الأصحِّ (2) ، والحنابلة (3) ، وهو قولٌ للحنفيَّة (4) .
وذلك للآتي:
أوَّلًا: أنَّه أُجيز للضرورة؛ فيجب مسح الجميع (5) .
ثانيًا: أنَّه لا يشقُّ استيعابها بالمسح، بخلاف الخفِّ؛ فإنَّه يشقُّ استيعاب جميعه، ويُتلفه المسح (6) .
ثالثًا: أنَّ المسح على الجبيرة بَدلٌ عن غسل العضو، فإذا كان يجب استيعاب العضو بالغَسل، فإنَّه يجب في بدله (7) .
المطلب الثَّاني: عدد مرَّات المسح على الجَبيرة
المسح على الجَبيرة يكون مرَّةً واحدة، وهذا باتِّفاق المذاهب الفقهيَّة: الحنفيَّة (8) ، والمالكيَّة (9) ، والشَّافعيَّة (10) ، والحنابلة (11) .
وذلك للآتي:
أوَّلًا: أنَّه مسْحٌ؛ فلا يُسنُّ فيه التَّكرار، كمسح الرَّأس، ومسْح الخفَّين.
ثانيًا: أنَّ طهارته مخفَّفة؛ فينبغي أن يكون مخفَّفًا في الكَيف ومخفَّفًا في الكمِّ (12) .
المبحث الخامس: هل سقوط الجَبيرة ينقُض الوضوء؟
لا ينتقض الوضوء بسقوط الجَبيرة، سواء كان عن بُرء أو غيره؛ وهو اختيار ابن حزم الظاهريِّ (1) , وابن تيميَّة (2) ، وابن باز (3) , وابن عثيمين (4) .
وذلك للآتي:
أوَّلًا: أنَّ سقوط الجبيرة ليس بحدَثٍ (5) .
ثانيًا: أنَّه لم يأت نصٌّ بإيجاب الوضوء (6) .
المصدر:
وتجد فيه الإحالة على مصادر هذه النقول
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
جزاك الله خيرا على تعليقك.