الاثنين، 17 فبراير 2020

برنامج انطلاقة والإشكالات الشرعية.


ــــــــــــــــــــــــ
أطلقت البلاد برنامجا لدعم الشباب من أجل خلق مشاريع تقيهم الفقر والبطالة، وهذا عمل جميل طيب استبشرنا به لولا أن عكرت عليه مسألة الفائدة تلك.
ومع ذلك أجاز بعضهم هذا من غير دليل بل لمجرد الظن والتخمين والحديث في عموميات. وبيان ذلك :
- القول بأن نسبة 2% أو أقل دليل على أن القرض ليس الغرض منه هو الربح! قول غير سديد، ويحتاج إلى دليل، فالنسبة لا تدل على أن الغرض هو الإحسان، فالبنوك ليست مؤسسات خيرية بل ربحية.
والربا حرام كثيره وقليله، عن سعيد بن أبي بردة، عن أبيه:"أتيت المدينة فلقيت عبد الله بن سلام رضي الله عنه، فقال: ألا تجيء فأطعمك سويقا وتمرا، وتدخل في بيت. ثم قال: إنك بأرض الربا بها فاش، إذا كان لك على رجل حق، فأهدى إليك حمل تبن، أو حمل شعير، أو حمل قت، فلا تأخذه فإنه ربا".(البخاري.3814).
قال ابن عبد البر:" وقد أجمع المسلمون نقلا عن نبيهم صلى الله عليه وسلم إن اشتراط الزيادة في السلف ربا ولو كان قبضة من علف أو حبة كما قال ابن مسعود أو حبة واحدة".(التمهيد.64/4).
أما قوله جل شأنه:{لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة}، لا يعني أنه يجوز أكل الأقل، لأن المقصد هو التشنيع لا التقييد، كما قال ربنا:{ولا تكونوا أول كافر به}، والكفر كفر سواء كنت أول من كفر أم الآخِر، وكذا قوله :{ولا تعثوا في الأرض مفسدين}، والظلم والفساد حرام قليله وكثيره.
- قيل أن هذا من القرض الحسن لأن الغرض هو الإنتاج!. وهذه دعوى قديمة ذكرها رشيد رضا وتابعه عليها قوم.
وعلى قولهم هذا فلا حرج من أخذ الربا من البنوك عموما، فكلنا نريد الإنتاج والبنوك أصلا إنما وضعت لمساعدة الناس!.
مع أن هذا النوع من القروض كان منذ عصر النبوة، فعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قدم النبي ﷺ المدينة، وهم يسلفون في الثمار السنتين والثلاث، فقال: أسلفوا في الثمار..".( البخاري (2253)، ومسلم (1604). وهذا في كل تمر سواء للأكل أو للإنتاج.
- أما قضية التضخم، فقد ذكر لي الصديق محمد طلال الحلو -مختص في الاقتصاد الإسلامي- خلال المذاكرة أن المغرب الآن في حالة تضخم بنسبة قليلة 0.2% فيما أن القرض فيه نسبة ربح 2%!.
ثم حساب الفائدة عند هذه البنوك من معاييره مراعاة التضخم، ولا عبرة شرعا في تغير القيمة، لما فيه من غرر وربح ما لم يضمن.
وفي قرار (مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي).:"العبرة في وفاء الديون الثابتة بعملة ما هي بالمثل ، وليس بالقيمة ؛ لأن الديون تقضى بأمثالها ، فلا يجوز ربط الديون الثابتة في الذمة ، أيّاً كان مصدرها بمستوى الأسعار ".(عدد 5 ، ج3 ص 1609).
- القول بأن الفائدة هي من أجل تغطية المصاريف، يحتاج إلى دليل، ولا يصح من الفقيه الحديث نيابة عن البنوك، فلا بد أن تكون المصاريف حقيقية وليست غطاء للربح.
- قد يقال بالقياس على العبد وسيده لما قاله طائفة من الفقهاء، لأن المال مال السيد، كما يمكن قياسها على بيت مال المسلمين، فهي صورة ربا وليست كذلك.
وعلى فرض صحة هذا القول، فهو قياس باطل لأن هذه البنوك ليست للدولة فهي ملك لأصحابها ونحن نعلم غالبهم، وحتى التي قد تكون ملكا للدولة فللأغنياء رؤوس أموال كثيرة فيها وتضم عددا من المساهمين. وقد يجوز هذا على قول من قال بجواز الربا بين العبد وسيده إذا كانت الذمة واحدة، فيكون البنك كله للدولة ولا يوجد به أي مستثمر.
ولا يمكن قياس بيت مال المسلمين على البنوك، لأن بيت مال المسلمين يقوم على التبرعات والزكوات.. أما هذه البنوك فهي تقوم على الودائع والقروض الربوية .. هذا على فرض وجود شبيه لبيت المال.
فهناك حلول شرعية كثيرة، وإنما يحتاج المشروع إلى فتح نقاش علمي يجمع أهل الاختصاص من الاقتصاديين والفقهاء، للخروج بصيغة صحيحة خالية من الحرام.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جزاك الله خيرا على تعليقك.