السبت، 17 ديسمبر 2016

شرح حديث جيش الكعبة.{يغزو جيش الكعبة، فإذا كانوا ببيداء من الأرض يُخسف بأولهم وآخرهم..}


عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يغزو جيش الكعبة، فإذا كانوا ببيداء من الأرض يُخسف بأولهم وآخرهم، قالت: قلت يا رسول الله، كيف يُخسف بأوَّلهم وآخرهم، وفيهم أسواقهم ومن ليس منهم؟ قال: يُخسف بأولهم وآخرهم، ثم يُبعثون على نيَّاتهم .

مقدمة:

هذا الحديث نقله الإمام النووي رحمه الله، عن عائشة رضي الله عنها، وفيه أخبر النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم عن حدث يقع في المستقبل، ألا وهو غزو الكعبة بيت الله الحرام، وأول بيتٍ وُضع للنَّاس في الأرض، وهذا الغزو من أشراط السَّاعة وعلاماتها، ولذا فقد بوَّب الإمام مسلم لهذا الحديث بباب أسماه "باب الخسف بالجيش الذي يؤمُّ البيت"، وجعله في كتاب "الفتن و أشراط الساعة" ولكن ذكره الإمام النوويّ في باب الإخلاص، من رياض الصّالحين للمعنى الّذي سنراه.

معنى الحديث:

وسبب هذا الغزو جاء بيانه في أحاديث أخرى، من رواية عائشة وحفصة وأمِّ سلمة رضي الله عنهنَّ، أنه: ((يَعُوذُ عَائِذٌ بِالْبَيْتِ) ، أي يلجأ إليه، ويلوذ به، وقد بيّنتِ الأحاديثُ أنّ هذا العائذَ بالبيت هو المهديُّ، وأنَّه من آل بيت الرّسول صلى الله عليه وسلم، أنّه عند لياذه بالبيت واحتمائه به، سوف يحدث ما بيّنه هذا الحديث الشريف، من توجُّه جيشٍ نحو الكعبة، يريد غزوها، والقضاء على من لجأ إليها ولاذ بها، كما قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يَعُوذُ عَائِذٌ بِالْبَيْتِ، فَيُبْعَثُ إِلَيْهِ بَعْثٌ) ، فهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم، في هذا الحديث: ((يغزو جيشٌ الكعبة)).

وقوله صلى الله عليه وسلم: ((فإذا كانوا ببيداء من الأرض))، يعني: إذا بلغ هذا الجيشُ موضعَ بيداء من الأرض، والبيداء عموماً: هي الأرض المنبسطة الفسيحة، وقيل إنَّ البيداء المذكورة في هذا الحديث، هي ما بين مكة والمدينة، قريبٌ من ميقات ذي الحُليفة، حيث ورد في صفة حجّ النبي صلى الله عليه وسلم، أنّه لما ((اسْتَوَتْ بِهِ نَاقَتُهُ عَلَى الْبَيْدَا)) أهلَّ بالتَّوحيد وأهلّ بالحجّ، وسواء كانت هذه هي البقعة المرادةُ أو غيرها، فالمقصود أنه مكان من الأرض فسيح، إذا بلغه هذا الجيش الغازي خُسف به.

قوله صلى الله عليه وسلم: ((يُخسف بأوَّلهم وآخرهم))، الخسف: أن تبتلعهم الأرض، فيسيخوا فيها ويصيروا داخلها، وحدوث هذا الخسف من علامات الساعة.

وقول عائشة رضي الله عنها، لما سمعتْ هذا الحديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا رسول الله، كيف يُخسف بأوَّلهم وآخرهم، وفيهم أسواقُهم ومن ليس منهم؟))، يعني في هذا الجيش أُناسٌ ليسُوا ممَّن جاءوا قاصدين انتهاك حرمة الكعبة، كعابر السبيل، أو من ساقوه سوقاً وأجبروه على الخروج معهم، ومَن لبَّسوا عليه، فقالوا: إن نُريد إلا إنقاذ البيت! وما أشبهَ ذلك. وهو كما قالت عائشة رضين الله عنها في روايةٍ أخرى: (فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ الطَّرِيقَ قَدْ يَجْمَعُ النَّاسَ!) فقال صلى الله عليه وسلم: ((نَعَمْ، فِيهِمُ الْمُسْتَبْصِرُ وَالْمَجْبُورُ وَابْنُ السَّبِيلِ)).

وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة: ((يُخسَف بأوَّلهم وآخِرهم، ثم يُبعثون على نيَّاتهم))، هذا هو الشَّاهد في هذا الحديث، ولهذا أدرجه النوويّ في "باب الإخلاص وإحضار النية في جميع الأعمال والأقوال البارزة والخفية"، فأفرادُ هذا الجيش، وإن اتَّحدت صورتهم في كونهم جزءاً من هذا الجيش المتوجّه نحو مكّة، فنزلت بهم عقوبةٌ عامة لم تستثن أحداً منهم، ولم تُميّز بين من كان يُريد الاعتداء، ومن لم يكن يريده، فهذا هو شأن عقوبة الدنيا، أنّها تتنزّل بحسب نظام السنن الواقعيّة، وبالتالي فقد تعمّ وتشمل الجميع، كما قال تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (25)} ، أمّا عقوبة الآخرة، فإنها تقوم على مبدأ قوله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (38)} ، وقوله تعالى: {وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى (37) أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى (38) وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (40) ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى (41)} ، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم، في شأن أفراد هذا الجيش، ((ثم يُبعثون على نيَّاتهم))، أي على ما قام في قلوبهم من المقاصد، كما قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري ومسلم من حديث عمر رضي الله عنه ((ولكل امرئ مانوى)) فالذي نوى بهذا المجيء انتهاك حرمة البيت، فهذا ظالم معتدٍ له عقوبة الدنيا بالخسف، وله عقوبة الآخرة، كما قال تعالى: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (25)} وهذا العذاب يشمل عذاب الدنيا وعذابَ الآخرة. أما من جاء موافقاً لهم، لا يعلم حقيقة الأمر، فهذا تصيبه عقوبةُ الدنيا؛ لكنَّ عقوبة الآخرة لا تُصيبه، لأنّ عقوبة الآخرة لا عمومٌ فيها، بل تخُصُّ كلَّ صاحب جرم بجرمه، وكلَّ صاحب ذنب بذنبه؛ ولهذا ينبغي للمؤمن أن يتجنَّب صحبة أهل الشر في الدّنيا، فإنَّ من سوءات صحبتهم أنه إذا نزلت بهم عقوبة أصابه ما أصابهم.

وذلك كما بيّنه الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: ((يَهلِكون مهلكاً واحداً، ويصدُرون مصادر شتى، يبعثهم الله على نياتهم)).

من فوائد الحديث:

-أنّ النية قدرها عظيم، وشأنها كبير.

-أن حسن القصد لا يبرّر خطأ العمل وسوء التصرف، فالنية الطّيبة لا تُنجي صاحبها من عذاب الدنيا، إذا كان ظاهر العمل سيّئاً.

-أن النية الطيبة تنجي صاحبها من عذاب يوم القيامة.

-أنّ من علامات الساعة، ظهور المهدي ولياذه بالكعبة.

http://www.almosleh.com/ar/index-ar-show-21012.html#sthash.lkKRzHPG.dpuf

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جزاك الله خيرا على تعليقك.