الأربعاء، 25 نوفمبر 2015

مفهوم التسامح...

بسم الله الرحمن الرحيم

مفهوم التسامح (؟!) ..

   علمنا علماء الإسلام حماة الدين عند الحكم على بعض المصطلحات الحمالة لأوجه، أن نستفصل عن المقصود منها عندما تطلق: ماذا أريد بها (؟!)..، فإن أريد بها حقا أيدناه، وإن أريد باطلا رددناه ، وبينا مغالطة من يتلاعب بالألفاظ لاسيما إذا كان مروِّج هذا المصطلح من غير المأمونين على دين المسلمين (؟!)..
   فلا يخفى مكر أعدائنا من الخارج ، وإنما المشكلة في وجود صفٍّ في الداخل من بني علمان يعمل بمثابة البوق الذي لادور له سوى ترديد كلام الغرب وأفكارهم ومطالبهم التي حقيقتها التخلي عن دين الإسلام أو تغييره وتحريفه - وهذا مطلب قديم طلبه المشركون من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: ( ائت بقرآن غير هذا أو بدله) – وإذا لم يكن هذا بشكل مباشر في الوقت الراهن..، فقصدهم إليه بالتدرج.. كما هو الواقع الملموس ..
   ومن هذه المصطلحات الفضفاضة التي تطلق على الحق وضده (؟!) والتي روج لها بنو علمان لتمرير أفكارهم ومعتقداتهم الباطلة : مصطلح "التسامح" فرفعوا من شأنه مطالبين بنشر ثقافته بين الناس بدلا عما يسمونه – في زعمهم - : "ثقافة العنف والكراهية "؟!! ..
  ولتحقيق الحق في خصوصه أقول: التسامح في لغة العرب التي نزل بها القرءان تعني السهولة المنافية للصعوبة، واليسر المنافي للضيق والشدة، وكذلك كان دين الإسلام دوما ..
قيل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أي الملل أفضل؟ فقال: (الحنيفية السمحة) حديث صحيح رواه الإمام أحمد –رحمه الله- في مسنده وغيره.
قال الحافظ ابن حجر- رحمه الله-:" والسمحة : السهلة أي أنها مبنية على السهولة لقوله تعالى:( وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم) " فتح الباري 1/94.
   فالتسامح كلمة قريبة من نفوس المسلمين محببة إليهم لما تحمله من معان سامية جاءت نصوص شرعية كثيرة بالثناء على أهلها، كحديث:" رحم الله عبدا سمحا إذا باع سمحا إذا اشترى سمحا إذا تقاضى" وحديث:" دخل رجل الجنة بسماحته"... إلى غيرهما من الأحاديث الصحيحة أنظر"صحيح الترغيب والترهيب" للعلامة الألباني -رحمه الله- 2/326 وما بعدها.
لكن التسامح أو السماحة التي يوصف بها الإسلام لا تنافي التمسك بأحكامه والعض عليها بالنواجذ، بل تقتضيه وتدعو إليه.
    قال الحافظ السيوطي – رحمه الله - :" ( السمحة ) السهلة القابلة للاستفادة، المنقادة إلى الله المسلمة أمرها إليه، لا تتوجه إلى شيء من الكثافة والغلظة والجمود التي يلزم منها العصيان والسماجة والطغيان " فيض القدير 1/169.
  وإبراز محاسن الإسلام لا يتم – حقيقة - إلا بالوقوف عند حدوده، والتأدب بآدابه، والدعوة إليه، ولا يكون أبدا بانتقاصه واجتزائه، والتخلي عن شيء منه إرضاء للكافرين، وموالاة لهم من دون المؤمنين كما هو حال العلمانيين..
      قال الدكتور أحمد القاضي: "إن مفهوم التسامح الذي يتكئ عليه دعاة التقريب مفهوم فضفاض يتضمن حقاً وباطلاً، يحتم ضرورة الاستفصال عن المدلول المراد :
فإن أريد بالتسامح: العفو والصفح في المعاملة، بالتنازل عن بعض الحقوق الشخصية مالية أو معنوية، أو ما يحيله الشرع الإسلامي إلى اجتهاد ولاة أمور المسلمين في معاملة الحربيين من المنِّ أو الفداء، حسب ما تقتضيه السياسة الشرعية، أو منح الذميين والمعاهدين والمستأمنين في المجتمع الإسلامي حقوقاً مدنية، وإذناً في البقاء على دينهم وعباداتهم، من غير إكراهٍ لهم على اعتناق الإسلام، فهو حقٌ جاء به الإسلام، وحفل به تاريخه، وفاق به جميع الأنظمة القديمة والحديثة... فهو بهذا المدلول فضيلة خلقية، ومنهجٌ نبيل ... لا يثلم عقيدة، ولا يهدر كرامة، ولا يضيع حقا .
وإن كان التسامح يعني المداهنة، وإعطاء الدنية في الدين، وتسوية المسلمين بالمجرمين، وإدانة سبيل السابقين الأولين من المؤمنين، وإباحة جناب المجتمع المسلم لجحافل المنصرين والملحدين لإشاعة الفاحشة الفكرية والخلقية في الذين آمنوا باسم (الحرية الدينية)!، و(التعددية الثقافية)!، و(التنوع الحضاري)!، وما شابهها من زخرف القول... فما هذا بتسامح، بل خنوع واستخذاء، ونزع للباس التقوى"اهـ.
  إننا نرفض التسامح المشبوه الذي يعني تدخل أعدائنا في شؤوننا، والدعوة لتغيير قيمنا وأخلاقنا وتحريف ديننا ..،  لأن ذلك وإن سمي: ( ثقافة التسامح )!! فهو تلبيس وتسامح مغشوش يراد منه إضلالنا وإذلالنا..، وإنه – في واقع الحال المرير : تسامح بلا تسامح (!!)..
وبالمقابل ننادي  بالتسامح الصحيح الذي حث عليه الإسلام القائم على دعامة الاعتدال والعدل والتوسط والذي أعجب به كثير من المنصفين من الغربيين، وأشادوا به في مصنفاتهم، من مثل "سير أرلوند" في كتابه (الدعوة إلى الإسلام).. ، و "جوستاف لوبون" في كتابه (حضارة العرب)..
     قال العلامة ابن عاشور – رحمه الله – تحت عنوان :( السماحة أول أوصاف الشريعة وأكبر مقاصدها ) :" السماحة سهولة المعاملة في اعتدال؛ فهي وسط بين التضييق والتساهل، وهي راجعة إلى معنى الاعتدال والعدل والتوسط .." مقاصد الشريعة ص: 268.
  وختاما أقول: ما أحوج كثيرا من الألسن إلى الحجر، وأكثر الأقلام إلى الكسر لأنها مسمومة حيث تعرض الإسلام عرضا منفرا، وتحارب الإسلام وأهله(؟!)، وليتق الله - في الوقت نفسه- أولئك الخوارج الذين أساؤوا للإسلام وشوهوا سماحته بأفكارهم الضالة المضلة، وأفعالهم الإجرامية التخريبية(!!!)...
      ( قل هل ننبؤكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا)

   كتبه :
أبو أويس رشيد بن أحمد الإدريسي الحسني عامله الله بلطفه الخفي وكرمه الوفي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جزاك الله خيرا على تعليقك.