الثلاثاء، 22 سبتمبر 2015

عجبا لدعاة الثورات..

بسم الله الرحمن الرحيم

• عجبا لدعاة الثورات (!!) ..

قال شيخنا المتقن المتفنن علي بن حسن بن علي الحلبي الأثري – حفظه الله – في ( تغريدة = تنهيدة ) له :" عجبا لدعاة الثورات ..الذين أججوا العواطف .. وألهبوا الحماسات .. وأفتوا بالقتل والتقتيل – ولو بالملايين – إثر ما سمي بـ ( الربيع العربي ! ) - الفاشل - !
ثم .. إذا بهم يتباكون (!) على الطفل السوري الذي لفظت جثته أمواج البحر الثائرة !!
وهو جزء من آثار ما صنعته أيديهم ..وعملته ألسنتهم ..
عجبا – والله - ..
  ولا من مدكر .. " انتهى .

هذه ( التغريدة = التنهيدة ) الرائقة (تشير) إلى معنى منهجي فائق يكشف عما ابتلي به كثير من العاملين في الساحة الدعوية من (الانهماك)! و (الاستغراق)! في نقل الأحداث والوقائع المؤلمة – خاصة –، والمبالغة في " تحليلها "؟! – وكيف ذاك (؟!!) –، ظنا منهم أنهم – بذلك – في ثغر من الثغور لـ (حماية الدعوة )!..، و (إقامة صرحها )!..
    وحقيقة هذا " الانشغال "؟! أنه لون من ألوان (التنفيس)؟!..، و (التبرير )؟!..، خاصة في وقت الأزمات والمحن ..، مع أن الذي يجب أن يحظى بنصيب وافر، واهتمام بالغ : (البحث عن الأسباب الحقيقية الجالبة لمثل هذه الأحداث والدندنة عنها )؟! حتى لا تقع مرة أخرى هنا..، أو هناك ..، مع الاسترشاد بـ " القواعد الأثرية "!..، و" الأحوال التاريخية "!..، واستصحاب " السنن الشرعية والكونية "!..
وسر ضرورة الوقوف عند هذه (الأسباب الحقيقة والدندنة عنها ) لأنها منطلق شرعي للحفاظ على " رأس المال "؟!، ولا يتم هذا ب " التباكي "!!، و " مجاوزة الحد في التحليل "!..، ف (حفظ الموجود أولى من تحصيل المفقود )؟!..، و ( الدفع أولى من الرفع )!..

فعجبا لدعاة الثوراث(؟!!) ..، ولأصحاب الانفعالات (؟!!)..

   قال العلامة محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله-:" .. وليعلم أن من يثور إنما يخدم أعداء الإسلام، فليست العبرة بـ (الثورة)1 ولا بـ (الانفعال)، بل العبرة بالحكمة .."2.
وقد يستغرب مثل هذا القول - ونحن في زمن ما يسمى بالربيع العربي (!!) - من لم تلتصق ثقافته بالوحي، أو من صارت أفكاره وتصوراته مستقاة من مجرد ما يُبث في وسائل الإعلام، وأما من لازم الكتاب والسنة وهدي السلف الكرام، وتأمل في حوادث التاريخ بنظرة ثاقبة وإحكام، علم يقينا صواب وصحة هذا الكلام.
  
نعم، لا يخفى على كل ذي لب قبح الظلم وشؤم مغبته، فـ " الناس لم يتنازعوا في أن عاقبة الظلم وخيمة، وعاقبة العدل كريمة "3، فإن " الظلم ظلمات يوم القيامة "4، والله تعالى قد أدخل امرأة النار لظلمها لهرة برية 5، فكيف بظلم مسلم يوحد رب البرية، فضلا عن تجاوز الحد وقهر الرعية، وعليه لا تَقبل النفوس النقية ولا القلوب الزكية بالظلم على اختلاف صوره وتباين أشكاله الردية، صدر ذلك عن حاكم أو عن أحد البرية، خاصة إذا بلغ حد إراقة الدماء، وتناثر الأشلاء، فـ " بئس الزاد إلى المعاد العدوان على العباد " 6.

فاعلم – يا رعاك الله - أن تقرير كون الحاكم ولو كان ( كافرا عينا ) لا يُخرج عليه إلا بشروط مقررة عند المحققين، مع المراعاة – في ذلك كله – لفتوى (الراسخين) في العلم والدين، لا يلزم منه بحال تبرير جرمه فضلا عن الرضا بظلمه (!!) ..

   قال الإمام عبد العزيز بن باز -رحمه الله-: " ولا يجوز الخروج على ولاة الأمور وَشَقِّ العصا إلا إذا وُجِدَ منهم (كفر بواح) عند الخارجين عليه من الله برهان، و(يستطيعون) بخروجهم أن ينفعوا المسلمين وأن يزيلوا الظلم وأن يقيموا دولة صالحة، أما إذا كانوا لا يستطيعون فليس لهم الخروج -ولو رأوا كفراً بواحاً-؛ لأن خروجهم يضر الناس ويفسد الأمة ويوجب الفتنة والقتل بغير الحق، ولكن إذا كانت عندَهم (القدرة) و(القوة) على أن يزيلوا هذا الوالي (الكافر) فلْيزيلوه ولْيضعوا مكانه والياً (صالحاً) ينفذ أمر الله؛ فعليهم ذلك إذا وجدوا (كفراً) بواحاً عندهم من الله فيه برهان، وعندهم (قدرة) على نصر الحق وإيجاد (البديل الصالح) وتنفيذ الحق"7.
وعليه فـ ( الحاكم المسلم الجائر ) يحرم الخروج عليه 8 كما دلت عليه (النصوص الشرعية)9، و(إجماع أهل السنة السنية) 10، و(الحكمة فيه) 11 اجتناب (المفاسد الراجحة وطغيان البلية، والحفاظ على بيضة الأمة الإسلامية) 12، فافهم هذا يا من تهرول في غير المسعى، وتخالف النظرة المقاصدية (؟!!)...

قال القاضي ابن العربي المعافري المالكي – رحمه الله - :" وجور السلطان عاما واحدا أقل إذاية من كون الناس فوضى لحظة واحدة "13.

وهو نص متين يدل على حقيقة عقيدة السلف الصالح في هذا الباب، وهو عين (التأصيل والتنزيل) لفقه المصالح والمفاسد يا من يزعم التمسك بالسنة والكتاب (؟!)، فتدبر الكلام – يا رعاك الله – بعيدا عن الجهل وسوء الفهم، ودون تخمين و وهم، وبمبعدة عن إلقاء التهم جزافا على من تمسك بهذا (الأصل السني) 14وفق العلم.

    قال الحافظ ابن عبد البر المالكي – رحمه الله - :".. وإلى منازعة (الظالم الجائر)؟! ذهبت طوائف من (المعتزلة وعامة الخوارج)؟! ، وأما (أهل الحق وهم أهل السنة) فقالوا : هذا هو الاختيار أن يكون الإمام فاضلا عدلا محسنا، فإن لم يكن فـ (الصبر على طاعة الجائرين من الأئمة أولى من الخروج عليه)؟! لأن في منازعته والخروج عليه: (استبدال الأمن بالخوف)؟!، ولأن ذلك (يحمل على هراق الدماء)؟!، و(شن الغارات والفساد في الأرض)؟!، وذلك (أعظم)؟! من الصبر على جوره وفسقه، و(الأصول) تشهد و(العقل والدين) أن أعظم المكروهين أولاهما بالترك " 15.

   والله المستعان ..
.....................................
    1. أنصح بقراءة كتاب: الفتن وسبيل النجاة منها ( كتاب يبحث فيما وقع من ثورات وإهراق دماء في بعض الدول العربية ) للشيخ حسين بن عودة العوايشة – حفظه الله –
    2. رسالة " الحقوق " ص: 29-30.
    3. الفتاوي 28/ 62- 63.
    4. متفق عليه .
    5. كما في الحديث عند الإمام مسلم – رحمه الله – في صحيحه.
    6.  كما قال الإمام الشافعي – رحمه الله – أنظر السير 10/ 41.
    7. مجموع فتاواه 7/119.     
    8. هذا مع النصح والأمر والنهي لكن بـ (الطرق الشرعية)؟!، و(الوسائل المرعية)؟!، لا بـ (المسالك البدعية)!! و(الطرائق الغربية)!!، ورحمة الله على الإمام ابن القيم لما قال في الطرق الحكمية ص: 58:" ومن (دقيق الفطنة) أنك لا ترد على المطاع خطأه بين الملأ فتحمله رتبته على نصرة الخطأ وذلك خطأ ثان ولكن تلطف في إعلامه به حيث لا يشعر به غيره "
     وأنصح في هذا الباب برسالة الشيخ عبد المالك بن أحمد الرمضاني – حفظه الله – بعنوان: ( طريقة السلف في نصح السلاطين وذوي الشرف ).
   9. قال العلامة السعدي – رحمه الله - :" و(تواتر)؟!! عنه – صلى الله عليه وسلم – النهي عن الخروج على ولاة الأمور والسمع والطاعة لهم وإن (ظلموا وعصوا)؟!!، وما ذالك إلا لما في الخروج عليهم من (الشر العظيم) " رسالة في الحث على اجتماع كلمة المسلمين وذم التفرق والاختلاف ص: 18- 19.
    10. قال العلامة ابن عثيمين – رحمه الله – في شرح السياسة الشرعية لشيخ الإسلام – رحمه الله – ص: 139- 140 :" والسلف (متفقون)؟! على أنه لا يجوز الخروج على الأئمة أبرارا كانوا أو فجارا ".
    11. ففرق بين (العلة) و(الحكمة) عموما، وفي هذا "الباب خصوصا"؟!، وهو (أمر دقيق) لم يتفطن إليه كثير ممن تناول الموضوع، وبَسْطُه في محله – إن شاء الله تعالى - .
    12. قال شيخ الإسلام – رحمه الله - :" الملك الظالم لابد أن يدفع الله به من الشر (أكثر من ظلمه)؟!، وقد قيل : (ستون سنة بإمام ظالم : خير من ليلة واحدة بلا إمام)؟! " الفتاوي 14 / 268 .
    13  . أحكام القرآن 2/208.
    14. قال شيخ الإسلام – رحمه الله - :" من العلم والعدل المأمور به (الصبر) على (ظلم الأئمة وجورهم) كما هو من (أصول)؟! أهل السنة والجماعة " الفتاوي 28/179.
    15. التمهيد 23/ 279، وبنحو هذا الكلام قال الإمام ابن القيم – رحمه الله – في إعلام الموقعين 3/171 فانظره غير مأمور.

   كتبه:
أبو أويس رشيد بن أحمد الإدريسي الحسني عامله الله بلطفه الخفي وكرمه الوفي

ونصح بنشره :
الشيخ علي بن حسن بن علي الحلبي الأثري  حفظه الرب العلي .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جزاك الله خيرا على تعليقك.