الثلاثاء، 16 يوليو 2024

« لا يقبلُه العقل! » معارضة نصوص الوحي بالعقل واحدةً من أعظم أبواب الانحراف.

 



#مقولة : « لا يقبلُه العقل! » 🧠

 

تعد معارضة نصوص الوحي بالعقل واحدةً من أعظم أبواب الانحراف، فإذا ما أورد نص شرعي على بعض الناس ولم يستوعبه عقله بادر قائلًا: هذا الكلام لا يقبله العقل، قاصدًا رد دلالة ذلك النص والطعن فيه.

 

وقبل الخوض في رفع ما يتعلق بهذه المسألة من توهمات، لا بد من الانطلاق من رؤية تستصحب تكريم العقل، فإن الوحي ذاته قد دل على أهمية العقل عبر مسارات متنوعة، من ذلك:

 

١) جعل العقل مناطًا من مناطات التكليف: فمن لا عقل له لا تكليف عليه، قال النبي ﷺ: (رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاَثَةٍ عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ وَعَنِ الصَّبِىِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ وَعَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ).

 

٢) الحث على فعل التعقل والتفكر في آيات الله، فما أكثر ما يرد في القرآن: (لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)، و(لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) و(لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ).

 

٣) حصر الانتفاع بالمواعظ والأمثال القرآنية على أصحاب العقول، يقول تعالى: (وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون).

 

٤) ذم من أطفأ نور العقل وعطله فحرم نفسه الهداية، قال عز وجل: (وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولوا كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون * ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء صم بكم عمي فهم لا يعقلون).

 

٥) بيان وظيفة العقل في استنباط الأحكام والنظر في الأدلة، وكلما كان العقل أكبر وأوفر كان المرء أقدر على أداء واجبات الاجتهاد.

 

٦) جعل العقل واحداً من الضروريات الخمس التي جاء الإسلام للمحافظة عليها، فنهى عن الاعتداء عليه، ومنع من الإضرار به بتعاطي الخمور والمسكرات وغيرها.

 

فهذه بعض الدلائل الشرعية التي تدل على ما للعقل من مقام سام في التصور الإسلامي، غير أن المسلم يجب عليه أيضًا أن يستحضر محدودية العقل، وهو ما يتجلى باستحضار الأمور التالية:

 

الأمر الأول: أن العقل لا يدرك كل شيء:

ولهذا أرشدت الشريعة إلى ما يضبط فعله ببيان ما يمكن للعقل أن يتحرك فيه من مجالات وما يكون فيه عاجزاً عن خوض غماره، فلا غلو في العقل ليكون هو الحجة المهيمنة على كافة الأدلة، ولا جفوة تلغي من مكانته ووظيفته في الاستدلال الشرعي.

 

وأنت إذا تأملتَ في ضبط الشريعة لحركة العقل وجدت في هذا تكريماً له، لأنه يمنع من تبديد طاقته فيما لا فائدة فيه.

 

الأمر الثاني: أن إدراك العقل للقضايا قد يكون إدراكاً مجملاً لا مفصلًا، وقد يكون إدراكاً بعضياً لا شمولياً، فالعقل يدرك حسن العدل وقبح الظلم، وقد يدرك في بعض التصرفات أنها من قبيل العدل أو الظلم، لكنه قد يعجز عن تقييم كل فعلٍ: هل هو عدل أو ظلم؟ حسن أو قبيح؟ وهو ما يفسر ذلك التفاوت الهائل الذي يعرض للناس في تقييم كثير من المسائل متى كان المرجع للعقل وحده، وهو ما يفضي بنا إلى الأمر الثالث.

 

الأمر الثالث: تفاوت الناس في الإدراك العقلي:

فهو ليس شيئاً واحداً يقع لكل الناس على وجهٍ يتفقون فيه، بل هم يتفاوتون فيه تفاوتاً هائلاً، فما يعلمه زيد بعقله قد يجهله عمرو، بل الإنسان نفسه قد يعلم بعقله شيئًا في وقت ثم يجهله في وقت آخر.

 

إذا استحضرت هذه الأمور الثلاثة: (محدودية إدراك العقل، وأنه قد لا يدرك تفصيلات الأمور، وأن الناس يتفاوتون فيه تفاوتاً كبيراً) توصلت إلى رؤية معتدلة في النظر إلى العقل وظهر لك الإشكال الذي يمكن أن يكمن في مقولة (لا يقبله العقل).

 

فالإشكال هنا ليس مع العقل، بل مع توهم ما ليس بعقلٍ أنه هو العقل، وهو خطأ يمكن أن يقع لكثير من الناس.

 

ولهذا، فالتعامل مع الأحكام الشرعية بطريقة (لا يقبله العقل) فيه قصور ظاهر، فهو يجهل حقيقة العقل، ويحيل إلى عقل متوهم يرد به من الأحكام الشرعية ما لا يستقيم مع مزاجه.

 

إذن، ما هو المنهج الشرعي الصحيح في التعامل بين ما يبدو من تعارضٍ بين العقل والنقل؟

 

المنهج هنا يقوم على إدراك أن العقل الصحيح لا يمكن أن يعارض النقل الصريح، فما ثبت في الشريعة قطعًا لا يمكن أن يخالف العقل قطعًا، وما يحدث من توهم مخالفة فهو إما بسبب خطأ في فهم العقل، أو خطأ في فهم الشريعة.

 

📘 زخرف القول (بتصرُّف).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جزاك الله خيرا على تعليقك.