السبت، 10 سبتمبر 2016

الأضحية بين الوجوب وغيره ~ الإمام السرخسي- السمرقندي- العيني-الهيتمي- ابن تيمية- ابن عبد البر.







قال الإمام السرخسي في " المبسوط " ( 12/ 18 ) :
" وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ وَجَدَ سَعَةً وَلَمْ يُضَحِّ فَلَا يَقْرَبَنَّ مُصَلَّانَا» وَإِلْحَاقُ الْوَعِيدِ لَا يَكُونُ إلَّا بِتَرْكِ الْوَاجِبِ. 
وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ ضَحَّى قَبْلَ الصَّلَاةِ فَلْيُعِدْ وَمَنْ لَمْ يُضَحِّ فَلْيَذْبَحْ عَلَى اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى» وَالْأَمْرُ يُفِيدُ الْوُجُوبَ، 
وَفِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ضَحُّوا أَمْرٌ وَقَوْلُهُ فَإِنَّهَا سُنَّةُ أَبِيكُمْ إبْرَاهِيمَ أَيْ طَرِيقَتُهُ فَالسُّنَّةُ الطَّرِيقَةُ فِي الدِّينِ، وَذَلِكَ لَا يَنْفِي الْوُجُوبَ مَخْصُوصًا بِكَوْنِ الْأُضْحِيَّةِ مَكْتُوبَةً عَلَيْهِ كَمَا قَالَ.
وَتَأْوِيلُ حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُمَا لَا يُضَحِّيَانِ فِي حَالِ الْإِعْسَارِ مَخَافَةَ أَنْ يَرَاهَا النَّاسُ وَاجِبَةً عَلَى الْمُعْسِرِينَ، أَوْ فِي حَالِ السَّفَرِ وَهُوَ تَأْوِيلُ حَدِيثِ أَبِي مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَلَا كَلَامَ فِي الْمَسْأَلَةِ عَلَى سَبِيلِ الْمُقَايَسَةِ وَالْعِبَادَاتُ لَا تَثْبُتُ قِيَاسًا، وَلَكِنْ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِدْلَالِ نَقُولُ هَذِهِ قُرْبَةٌ يُضَافُ إلَيْهَا، وَفِيهَا فَتَكُونُ وَاجِبَةً كَالْجُمُعَةِ وَبَيَانُ الْوَصْفِ أَنَّهُ يُقَالُ يَوْمَ الْأَضْحَى وَتَأْثِيرُهُ أَنَّ إضَافَةَ الْوَقْتِ إلَيْهِ لَا تَتَحَقَّقُ إلَّا وَأَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا فِيهِ، وَلَا يَكُونُ مَوْجُودًا فِيهِ لَا مَحَالَةَ إلَّا وَأَنْ تَكُونَ وَاجِبَةً لِجَوَازِ أَنْ يَجْتَمِعَ النَّاسُ عَلَى تَرْكِ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ، وَلَا يَجْتَمِعُونَ عَلَى تَرْكِ الْوَاجِبِ، وَإِنْ اجْتَمَعُوا عَلَى ذَلِكَ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا فِيهِ اسْتِحْقَاقًا.
وَلِجَوَازِ الْأَدَاءِ فِيهِ لَا يَصِيرُ الْوَقْتُ مُضَافًا إلَيْهِ كَسَائِرِ الْأَيَّامِ يَجُوزُ فِيهَا الصَّوْمُ، ثُمَّ لَا يُسَمَّى شَهْرُ الصَّوْمِ إلَّا رَمَضَانَ فَعَرَفْنَا أَنَّ إضَافَةَ الْوَقْتِ إلَى الْقُرْبَةِ تَدُلُّ عَلَى وُجُوبِهَا فِيهِ، وَإِنَّمَا لَا تَجِبُ عَلَى الْمُسَافِرِ لِمَعْنَى الْمَشَقَّةِ فَإِنَّ الْأَدَاءَ يَخْتَصُّ بِأَسْبَابٍ يَشُقُّ عَلَى الْمُسَافِرِ اسْتِصْحَابُ ذَلِكَ فِي السَّفَرِ وَيَفُوتُ بِمُضِيِّ الْوَقْتِ فَلِدَفْعِ الْمَشَقَّةِ لَا تَلْزَمُهُ كَالْجُمُعَةِ بِخِلَافِ سَائِرِ الْعِبَادَاتِ الْمَالِيَّةِ وَإِبَاحَةُ التَّنَاوُلِ بِإِذْنِ مَنْ لَهُ الْحَقُّ فَإِنَّهُ بِالتَّضْحِيَةِ يَجْعَلُهَا اللَّهُ تَعَالَى، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَكُلُوا مِنْهَا} [البقرة: 58] وَلَمَّا كَانَ مِنْ جِنْسِ التَّقَرُّبِ بِالتَّمْلِيكِ مَا هُوَ وَاجِبٌ ابْتِدَاءً. فَكَذَلِكَ مِنْ جِنْسِ التَّقَرُّبِ بِالْإِتْلَافِ مَا هُوَ وَاجِبٌ ابْتِدَاءً، وَلَيْسَ ذَلِكَ إلَّا فِي الْأُضْحِيَّةِ، وَفِي الْوُجُوبِ بِالنَّذْرِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مِنْ جِنْسِهِ وَاجِبًا شَرْعًا فَإِنَّ مَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِهِ وَاجِبًا شَرْعًا لَا يَصِحُّ الْتِزَامُهُ بِالنَّذْرِ كَعِيَادَةِ الْمَرِيضِ ".
----------------------------------------------------

قال الإمام السمرقندي في " تحفة الفقاء " ( ص 84 ) :
"وَالصَّحِيح قَوْلنَا لقَوْله تَعَالَى {فصل لِرَبِّك وانحر} قَالَ أهل التَّفْسِير المُرَاد مِنْهُ صَلَاة الْعِيد وَنحر الْأُضْحِية وَالْأَمر للْوُجُوب وَالنَّص ورد فِي حق الْمُقِيم لِأَن الْخطاب للرسول عَلَيْهِ السَّلَام وَهُوَ حكم لَا يعرف بِالْقِيَاسِ فَلَا يتَعَدَّى إِلَى الْمُسَافِر كَمَا فِي الْجُمُعَة وَالْعِيدَيْنِ".
وقال الإمام الكساني في " بدائع الصنائع " ( 5/ 62 ــ 63 ) :
"الَّذِي يَجِبُ عَلَى الْغَنِيِّ دُونَ الْفَقِيرِ فَمَا يَجِبُ مِنْ غَيْرِ نَذْرٍ وَلَا شِرَاءٍ لِلْأُضْحِيَّةِ بَلْ شُكْرًا لِنِعْمَةِ الْحَيَاةِ وَإِحْيَاءً لِمِيرَاثِ الْخَلِيلِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حِينَ أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَزَّ اسْمُهُ بِذَبْحِ الْكَبْشِ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ فِدَاءً عَنْ وَلَدِهِ وَمَطِيَّةً عَلَى الصِّرَاطِ وَمَغْفِرَةً لِلذُّنُوبِ وَتَكْفِيرًا لِلْخَطَايَا عَلَى مَا نَطَقَتْ بِذَلِكَ الْأَحَادِيثُ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَزُفَرَ وَالْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهَا لَا تَجِبُ.
...(وَلَنَا) قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: 2] قِيلَ فِي التَّفْسِيرِ: صَلِّ صَلَاةَ الْعِيدِ وَانْحَرْ الْبُدْنَ بَعْدَهَا، وَقِيلَ: صَلِّ الصُّبْحَ بِجَمْعٍ وَانْحَرْ بِمِنًى وَمُطْلَقُ الْأَمْرِ لِلْوُجُوبِ فِي حَقِّ الْعَمَلِ وَمَتَى وَجَبَ عَلَى النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَجِبُ عَلَى الْأُمَّةِ لِأَنَّهُ قُدْوَةٌ لِلْأُمَّةِ، فَإِنْ قِيلَ: قَدْ قِيلَ فِي بَعْضِ وُجُوهِ التَّأْوِيلِ لِقَوْلِهِ عَزَّ شَأْنُهُ {وَانْحَرْ} [الكوثر: 2] أَيْ ضَعْ يَدَيْكَ عَلَى نَحْرِكَ فِي الصَّلَاةِ، وَقِيل: اسْتَقْبِلْ الْقِبْلَةَ بِنَحْرِكَ فِي الصَّلَاةِ فَالْجَوَابُ أَنَّ الْحَمْلَ عَلَى الْأَوَّلِ أَوْلَى لِأَنَّهُ حَمْلُ اللَّفْظِ عَلَى فَائِدَةٍ جَدِيدَةٍ، وَالْحَمْلُ عَلَى الثَّانِي حَمْلٌ عَلَى التَّكْرَارِ؛ لِأَنَّ وَضْعَ الْيَدِ عَلَى النَّحْرِ مِنْ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ عِنْدَكُمْ يَتَعَلَّقُ بِهِ كَمَالُ الصَّلَاةِ، وَاسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ مِنْ شَرَائِطِ الصَّلَاةِ لَا وُجُودَ لِلصَّلَاةِ شَرْعًا بِدُونِهِ فَيَدْخُلُ تَحْتَ الْأَمْرِ بِالصَّلَاةِ، فَكَانَ الْأَمْرُ بِالصَّلَاةِ أَمْرًا بِهِ فَحَمْلُ قَوْلُهُ عَزَّ شَأْنُهُ " وَانْحَرْ " عَلَيْهِ يَكُونُ تَكْرَارًا وَالْحَمْلُ عَلَى مَا قُلْنَاهُ يَكُونُ حَمْلًا عَلَى فَائِدَةٍ جَدِيدَةٍ فَكَانَ أَوْلَى.
وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ: «ضَحُّوا فَإِنَّهَا سُنَّةُ أَبِيكُمْ إبْرَاهِيمَ، - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -» أَمَرَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِالتَّضْحِيَةِ وَالْأَمْرُ الْمُطْلَقُ عَنْ الْقَرِينَةِ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ فِي حَقِّ الْعَمَلِ وَرُوِيَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ: «عَلَى أَهْلِ كُلِّ بَيْتٍ فِي كُلِّ عَامٍ أَضْحَاةٌ وَعَتِيرَةٌ» وَ " عَلَى " كَلِمَةُ إيجَابٍ، ثُمَّ نُسِخَتْ الْعَتِيرَةُ فَثَبَتَتْ الْأَضْحَاةُ وَرُوِيَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ لَمْ يُضَحِّ فَلَا يَقْرَبَنَّ مُصَلَّانَا» وَهَذَا خَرَجَ مَخْرَجَ الْوَعِيدِ عَلَى تَرْكِ الْأُضْحِيَّةَ، وَلَا وَعِيدَ إلَّا بِتَرْكِ الْوَاجِبِ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَلْيُعِدْ أُضْحِيَّتَهُ وَمَنْ لَمْ يَذْبَحْ فَلْيَذْبَحْ بِسْمِ اللَّهِ» أَمَرَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِذَبْحِ الْأُضْحِيَّةَ وَإِعَادَتِهَا إذَا ذُبِحَتْ قَبْلَ الصَّلَاةِ، وَكُلُّ ذَلِكَ دَلِيلُ الْوُجُوبِ وَلِأَنَّ إرَاقَةَ الدَّمِ قُرْبَةٌ وَالْوُجُوبُ هُوَ الْقُرْبَةُ فِي الْقُرُبَاتِ
... (وَأَمَّا) حَدِيثُ سَيِّدِنَا أَبِي بَكْر وَسَيِّدِنَا عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُمَا كَانَا لَا يُضَحِّيَانِ السَّنَةَ وَالسَّنَتَيْنِ لِعَدَمِ غِنَاهُمَا لَمَّا كَانَ لَا يَفْضُلُ رِزْقُهُمَا الَّذِي كَانَ فِي بَيْتِ الْمَالِ عَنْ كِفَايَتِهِمَا، وَالْغِنَى شَرْطُ الْوُجُوبِ فِي هَذَا النَّوْعِ وَقَوْلُ أَبِي مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا يَصْلُحُ مُعَارِضًا لِلْكِتَابِ الْكَرِيمِ وَالسُّنَّةِ مَعَ مَا أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَخَافَ عَلَى جَارِهِ لَوْ ضَحَّى أَنْ يَعْتَقِدَ وُجُوبَ الْأُضْحِيَّةَ مَعَ قِيَامِ الدَّيْنِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِالْوُجُوبِ الْفَرْضَ إذْ هُوَ الْوَاجِبُ الْمُطْلَقُ فَخَافَ عَلَى جَارِهِ اعْتِقَادَ الْفَرْضِيَّةِ لَوْ ضَحَّى فَصَانَ اعْتِقَادَهُ بِتَرْكِ الْأُضْحِيَّةَ فَلَا يَكُونُ حُجَّةً مَعَ الِاحْتِمَالِ أَوْ يُحْمَلُ عَلَى مَا قُلْنَا تَوْفِيقًا بَيْنَ الدَّلَائِلِ صِيَانَةً لَهَا عَنْ التَّنَاقُضِ وَالِاسْتِدْلَالُ بِالْمُسَافِرِ غَيْرُ سَدِيدٍ لِأَنَّ فِيهِ ضَرُورَةً لَا تُوجَدُ فِي حَقِّ الْمُقِيمِ عَلَى مَا نَذْكُرُ فِي بَيَانِ الشَّرَائِطِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى عَزَّ شَأْنُهُ"

--------------------------------------------------
 قال الحافظ العيني في " البناية شرح الهداية " ( 12/ 7 ) :
" وقيل: مما يدل على الوجوب حديث أخرجه البخاري ومسلم عن البراء بن عازب عن أبي بردة بن يسار «قال: يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إن عندي جذعة؟ قال: " اذبحها ولن تجزئ عن أحد بعدك ".» ومثل هذا لا يستعمل إلا في الواجب ".

--------------------------------------------------
 قال الحافظ الفقيه ابن حجر الهيتمي في " الزواجرعن اقتراف الكبائر " :
" [كِتَابُ الْأُضْحِيَّةِ] [الْكَبِيرَةُ السِّتُّونَ بَعْدَ الْمِائَةِ تَرْكُ الْأُضْحِيَّةِ مَعَ الْقُدْرَةِ]
الْكَبِيرَةُ السِّتُّونَ بَعْدَ الْمِائَةِ: تَرْكُ الْأُضْحِيَّةِ مَعَ الْقُدْرَةِ عِنْدَ مَنْ قَالَ بِوُجُوبِهَا)
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ وَجَدَ سَعَةً لَأَنْ يُضَحِّيَ فَلَمْ يُضَحِّ فَلَا يَحْضُرُ مُصَلَّانَا» .
تَنْبِيهٌ: عَدُّ ذَلِكَ كَبِيرَةً هُوَ ظَاهِرُ هَذَا الْحَدِيثِ، وَإِنْ لَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهِ فَإِنَّ مَنْعَهُ مِنْ حُضُورِ الْمُصَلَّى فِيهِ وَعِيدٌ شَدِيدٌ؛ وَيُجَابُ مِنْ طَرَفِ الْقَائِلِينَ بِنَدْبِ الْأُضْحِيَّةِ كَالشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ بِأَنَّ الْحَدِيثَ وَإِنْ رَوَاهُ الْحَاكِمُ مَرْفُوعًا هَكَذَا وَصَحَّحَهُ لَكِنَّهُ رَوَاهُ مَوْقُوفًا. قَالَ غَيْرُهُ: وَلَعَلَّهُ أَشْبَهُ فَلَمْ تَتِمَّ الْحُجَّةُ فِي الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ لَنَا أَنْ نَقُولَ مَنْعُهُ مِنْ الْحُضُورِ لَا وَعِيدَ فِيهِ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: «مَنْ أَكَلَ ثُومًا أَوْ بَصَلًا أَوْ كُرَّاثًا» وَفِي رِوَايَةٍ «أَوْ فُجْلًا فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا» وَمَعَ ذَلِكَ فَلَا حُرْمَةَ فِي أَكْلِ مَا ذُكِرَ إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ الْمَنْعَ هُنَا ظَهَرَتْ حِكْمَتُهُ وَهِيَ إيذَاءُ النَّاسِ أَوْ الْمَلَائِكَةِ بِالرَّائِحَةِ فَحَمَلْنَا النَّهْيَ عَلَيْهِ، وَأَمَّا فِي خَبَرِ الْأُضْحِيَّةِ فَلَمْ يَكُنْ لِلْمَنْعِ حِكْمَةٌ إلَّا تَغْلِيظَ تَرْكِهِ لَهَا ".
وقال ( 1/ 346 ) :
" [الْكَبِيرَةُ الْحَادِيَةُ وَالسِّتُّونَ بَعْدَ الْمِائَةِ بَيْعُ جِلْدِ الْأُضْحِيَّةِ]
(الْكَبِيرَةُ الْحَادِيَةُ وَالسِّتُّونَ بَعْدَ الْمِائَةِ: بَيْعُ جِلْدِ الْأُضْحِيَّةِ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ بَاعَ جِلْدَ أُضْحِيَّتِهِ فَلَا أُضْحِيَّةَ لَهُ» .
تَنْبِيهٌ: عَدُّ هَذَا كَبِيرَةً لَمْ أَرَهُ لَكِنَّ ظَاهِرَ هَذَا الْحَدِيثِ يَقْتَضِي ذَلِكَ، فَإِنَّ انْتِفَاءَ الْأُضْحِيَّةِ بِبَيْعِهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ فِيهِ وَعِيدًا شَدِيدًا لِإِبْطَالِهِ ثَوَابَ تِلْكَ الْعِبَادَةِ الْعَظِيمَةِ مِنْ أَصْلِهَا كَمَا اقْتَضَاهُ ظَاهِرُ النَّفْيِ الْمَوْضُوعِ أَصَالَةً لِانْتِفَاءِ الذَّاتِ مِنْ أَصْلِهَا، وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا أَنَّهُ بِالْأُضْحِيَّةِ خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ وَصَارَ مِلْكًا لِلْفُقَرَاءِ، فَإِذَا اسْتَوْلَى عَلَيْهِ وَبَاعَهُ كَانَ كَالْغَاصِبِ لِحَقِّ الْغَيْرِ، وَسَيَأْتِي أَنَّ الْغَصْبَ كَبِيرَةٌ وَهَذَا مِنْهُ كَمَا عَلِمْت فَاتَّضَحَ عَدِّي لَهُ كَبِيرَةً. وَيَنْبَغِي أَنْ يَلْحَقَ بِالْبَيْعِ إعْطَاؤُهُ أُجْرَةً لِلْجَزَّارِ فَإِنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ حَرَامٌ كَبَيْعِهِ، وَكَمَا أَنْ فِي الْبَيْعِ غَصْبًا لَهُ كَمَا تَقَرَّرَ، فَكَذَا فِي إعْطَائِهِ أُجْرَةً لِلْجَزَّارِ فَلَمْ يَبْعُدْ أَنَّهُ مِثْلُهُ فِي أَنَّهُ كَبِيرَةٌ أَيْضًا".

--------------------------------------------------
 قال شيخ الإسلام ابن تيمية في " شرح عمدة الفقه " ( 2/ 346 ):
"مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ عِبَادَةٌ، فَإِنَّهَا لَا تَسْقُطُ بِفَوَاتِ وَقْتِهَا، بَلْ عَلَيْهِ إِعَادَتُهَا كَسَائِرِ الْوَاجِبَاتِ مِنَ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَالْهَدْيِ وَالْأُضْحِيَّةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ خُصُوصًا الْحَجَّ، وَهَذَا لِأَنَّ الْوَاجِبَ الثَّابِتَ فِي الذِّمَّةِ لَا بُدَّ مِنْ فِعْلِهِ عَلَى أَيِّ حَالٍ كَانَ؛ إِمَّا فِي وَقْتِهِ، وَإِمَّا بَعْدَ وَقْتِهِ".
وقال: ( 3/ 334 ) :
" هَدْيَ الْمُتْعَةِ نُسُكٌ، فَلَمْ يَجُزْ ذَبْحُهُ إِلَى يَوْمِ النَّحْرِ كَالْهَدْيِ الْمَنْذُورِ، وَالْأُضْحِيَّةِ الْوَاجِبَةِ".

-----------------------------------------------
 قال الإمام الحافظ ابن عبد البر في ( 5/ 227 )
"فَقَالَ مَالِكٌ عَلَى النَّاسِ كُلِّهِمْ ضَحِيَّةٌ الْمُسَافِرِ وَالْمُقِيمِ إِذَا قَدَرَ عَلَيْهَا وَمَنْ تَرَكَهَا مِنْ غير عذر فبئس ما صنع.
وقال أبو عمر تحصل مَذْهَبِهِ أَنَّهَا مِنَ السُّنَنِ الَّتِي يُؤْمَرُ النَّاسُ بِهَا وَيُنْدَبُونَ إِلَيْهَا وَلَا يُرَخَّصُ فِي تَرْكِهَا إِلَّا لِلْحَاجِّ بِمِنًى وَيُضَحَّى عِنْدَهُ عَنِ الْيَتِيمِ وَالْمَوْلُودِ وَكُلِّ وَاحِدٍ لَهَا" "
قال الإمام ابن القيم في " تحفة المولود " ( ص 55 ) :
"وَالسّنة الواجبة عنْد أَصْحَاب مَالك مَا تَأَكد اسْتِحْبَابه وَكره تَركه فيسمونه وَاجِبا وجوب السّنَن وَلِهَذَا قَالُوا غسل الْجُمُعَة سنة وَاجِبَة وَالْأُضْحِيَّة سنة وَاجِبَة والعقيقة سنة وَاجِبَة".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جزاك الله خيرا على تعليقك.