الأربعاء، 24 أبريل 2019

السلسلة الصحيحة : تخريج حديث كتاب الله و عترتي أهل بيتي “ .



المجلد: السلسلة الصحيحة

رقم الحديث: 1761

الحديث: “ يا أيها الناس ! إني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا , كتاب الله و عترتي أهل بيتي “ .

قال الألباني في “ السلسلة الصحيحة “ 4 / 355 : أخرجه الترمذي ( 2 / 308 ) و الطبراني ( 2680 ) عن زيد بن الحسن الأنماطي عن جعفر عن أبيه عن # جابر بن عبد الله # قال : “ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجته يوم عرفة , و هو على ناقته القصواء يخطب , فسمعته يقول : “ فذكره , و قال : “ حديث حسن غريب من هذا الوجه , و زيد بن الحسن قد روى عنه سعيد بن سليمان و غير واحد من أهل العلم “ . قلت : قال أبو حاتم , منكر الحديث , و ذكره ابن حبان في “ الثقات “ . و قال الحافظ : “ ضعيف “ .قلت : لكن الحديث صحيح , فإن له شاهدا من حديث زيد بن أرقم قال : “ قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فينا خطيبا بماء يدعى ( خما ) بين مكة و المدينة , فحمد الله , و أثنى عليه , و وعظ و ذكر , ثم قال : أما بعد , ألا أيها الناس , فإنما أنا بشر , يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب , و أنا تارك فيكم ثقلين , أولهما كتاب الله , فيه الهدى و النور ( من استمسك به و أخذ به كان على الهدى , و من أخطأه ضل ) , فخذوا بكتاب الله , و استمسكوا به - فحث على كتاب الله و رغب فيه , ثم قال : - و أهل بيتي , أذكركم الله في أهل بيتي , أذكركم الله في أهل بيتي , أذكركم الله في أهل بيتي “ . أخرجه مسلم ( 7 / 122 - 123 ) و الطحاوي في “ مشكل الآثار “ ( 4 / 368 ) و أحمد ( 4 / 366 - 367 ) و ابن أبي عاصم في “ السنة “ ( 1550 و 1551 ) و الطبراني ( 5026 ) من طريق يزيد بن حيان التميمي عنه . ثم أخرج أحمد ( 4 / 371 ) و الطبراني ( 5040 ) و الطحاوي من طريق علي بن ربيعة قال : “ لقيت زيد بن أرقم و هو داخل على المختار أو خارج من عنده , فقلت له : أسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إني تارك فيكم الثقلين ( كتاب الله و عترتي ) ? قال : نعم “ . و إسناده صحيح , رجاله رجال الصحيح . و له طرق أخرى عند الطبراني ( 4969 - 4971 و 4980 - 4982 و 5040 ) و بعضها عند الحاكم ( 3 / 109 و 148 و 533 ) . و صحح هو و الذهبي بعضها . و شاهد آخر من حديث عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري مرفوعا : “ ( إنى أوشك أن أدعى فأجيب , و ) إني تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا بعدي , الثقلين , أحدهما أكبر من الآخر , كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض , و عترتي أهل بيتي , ألا و إنهما لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض “ . أخرجه أحمد ( 3 / 14 و 17 و 26 و 59 ) و ابن أبي عاصم ( 1553 و 1555 ) و الطبراني ( 2678 - 2679 ) و الديلمي ( 2 / 1 / 45 ) . و هو إسناد حسن في الشواهد . و له شواهد أخرى من حديث أبي هريرة عند الدارقطني ( ص 529 ) و الحاكم ( 1 / 93 ) و الخطيب في “ الفقيه و المتفقه “ ( 56 / 1 ) . و ابن عباس عند الحاكم و صححه , و وافقه الذهبي . و عمرو بن عوف عند ابن عبد البر في “ جامع بيان العلم “ ( 2 / 24 , 110 ) , و هي و إن كانت مفرداتها لا تخلو من ضعف , فبعضها يقوي بعضا , و خيرها حديث ابن عباس . ثم وجدت له شاهدا قويا من حديث علي مرفوعا به . أخرجه الطحاوي في “ مشكل الآثار ( 2 / 307 ) من طريق أبي عامر العقدي : حدثنا يزيد بن كثير عن محمد بن عمر بن علي عن أبيه عن علي مرفوعا بلفظ : “ ... كتاب الله بأيديكم , و أهل بيتي “ . و رجاله ثقات غير يزيد بن كثير فلم أعرفه , و غالب الظن أنه محرف على الطابع أو الناسخ . و الله أعلم . ثم خطر في البال أنه لعله انقلب على أحدهم , و أن الصواب كثير بن زيد , ثم تأكدت من ذلك بعد أن رجعت إلى كتب الرجال , فوجدتهم ذكروه في شيوخ عامر العقدي , و في الرواة عن محمد بن عمر بن علي , فالحمد لله على توفيقه . ثم ازددت تأكدا حين رأيته على الصواب عند ابن أبي عاصم ( 1558 ) . و شاهد آخر يرويه شريك عن الركين بن الربيع عن القاسم بن حسان عن زيد بن ثابت مرفوعا به . أخرجه أحمد ( 5 / 181 - 189 ) و ابن أبي عاصم ( 1548 - 1549 ) و الطبراني في “ الكبير “ ( 4921 - 4923 ) . و هذا إسناد حسن في الشواهد و المتابعات , و قال الهيثمي في “ المجمع “ ( 1 / 170 ) : “ رواه الطبراني في “ الكبير “ و رجاله ثقات “ ! و قال في موضع آخر ( 9 / 163 ) : “ رواه أحمد , و إسناده جيد “ ! بعد تخريج هذا الحديث بزمن بعيد , كتب علي أن أهاجر من دمشق إلى عمان , ثم أن أسافر منها إلى الإمارات العربية , أوائل سنة ( 1402 ) هجرية , فلقيت في ( قطر ) بعض الأساتذة و الدكاترة الطيبين , فأهدى إلي أحدهم رسالة له مطبوعة في تضعيف هذا الحديث , فلما قرأتها تبين لي أنه حديث عهد بهذه الصناعة , و ذلك من ناحيتين ذكرتهما له : الأولى : أنه اقتصر في تخريجه على بعض المصادر المطبوعة المتداولة , و لذلك قصر تقصيرا فاحشا في تحقيق الكلام عليه , و فاته كثير من الطرق و الأسانيد التي هي بذاتها صحيحة أو حسنة فضلا عن الشواهد و المتابعات , كما يبدو لكل ناظر يقابل تخريجه بما خرجته هنا .. الثانية : أنه لم يلتفت إلى أقوال المصححين للحديث من العلماء و لا إلى قاعدتهم التي ذكروها في “ مصطلح الحديث “ : أن الحديث الضعيف يتقوى بكثرة الطرق , فوقع في هذا الخطأ الفادح من تضعيف الحديث الصحيح . و كان قد نمى إلى قبل الالتقاء به و اطلاعي على رسالته أن أحد الدكاترة في ( الكويت ) يضعف هذا الحديث , و تأكدت من ذلك حين جاءني خطاب من أحد الإخوة هناك , يستدرك علي إيرادي الحديث في “ صحيح الجامع الصغير “ بالأرقام ( 2453 و 2454 و 2745 و 7754 ) لأن الدكتور المشار إليه قد ضعفه , و أن هذا استغرب مني تصحيحه ! و يرجو الأخ المشار إليه أن أعيد النظر في تحقيق هذا الحديث , و قد فعلت ذلك احتياطيا , فلعله يجد فيه ما يدله على خطأ الدكتور , و خطئه هو في استرواحه و اعتماده عليه , و عدم تنبهه للفرق بين ناشئ في هذا العلم , و متمكن فيه , و هي غفلة أصابت كثيرا من الناس اللذين يتبعون كل من كتب في هذا المجال , و ليست له قدم راسخة فيه . و الله المستعان . و اعلم أيها القارىء الكريم , أن من المعروف أن الحديث مما يحتج به الشيعة , و يلهجون بذلك كثيرا , حتى يتوهم أهل السنة أنهم مصيبون في ذلك , و هم جميعا واهمون في ذلك , و بيانه من وجهين : الأول : أن المراد من الحديث في قوله صلى الله عليه وسلم : “ عترتي “ أكثر مما يريده الشيعة , و لا يرده أهل السنة بل هم مستمسكون به , ألا و هو أن العترة فيهم هم أهل بيته صلى الله عليه وسلم , و قد جاء ذلك موضحا في بعض طرقه كحديث الترجمة : “ عترتي أهل بيتي “ و أهل بيته في الأصل هم “ نساؤه صلى الله عليه وسلم و فيهن الصديقة عائشة رضي الله عنهن جميعا كما هو صريح قوله تعالى في ( الأحزاب ) : *( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهركم تطهيرا )* بدليل الآية التي قبلها و التي بعدها : *( يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض و قلن قولا معروفا . و قرن في بيوتكن و لا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى و أقمن الصلاة و آتين الزكاة و أطعن الله و رسوله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهركم تطهيرا . و اذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله و الحكمة إن الله كان لطيفا خبيرا )* ,و تخصيص الشيعة ( أهل البيت ) في الآية بعلي و فاطمة و الحسن و الحسين رضي الله عنهم دون نسائه صلى الله عليه وسلم من تحريفهم لآيات الله تعالى انتصارا لأهوائهم كما هو مشروح في موضعه , و حديث الكساء و ما في معناه غاية ما فيه توسيع دلالة الآية و دخول علي و أهله فيها كما بينه الحافظ ابن كثير و غيره ,و كذلك حديث “ العترة “ قد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن المقصود أهل بيتهصلى الله عليه وسلم بالمعنى الشامل لزوجاته و علي و أهله . و لذلك قال التوربشتي - كما في “ المرقاة “ ( 5 / 600 ) : “ عترة الرجل : أهل بيته و رهطه الأدنون , و لاستعمالهم “ العترة “ على أنحاء كثيرة بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله : “ أهل بيتي “ ليعلم أنه أراد بذلك نسله و عصابته الأدنين و أزواجه “ . و الوجه الآخر : أن المقصود من “ أهل البيت “ إنما هم العلماء الصالحون منهم و المتمسكون بالكتاب و السنة , قال الإمام أبو جعفر الطحاوي رحمه الله تعالى : “ ( العترة ) هم أهل بيته صلى الله عليه وسلم الذين هم على دينه و على التمسك بأمره “ . و ذكر نحوه الشيخ علي القاريء في الموضع المشار إليه آنفا . ثم استظهر أن الوجه في تخصيص أهل البيت بالذكر ما أفاده بقوله : “ إن أهل البيت غالبا يكونون أعرف بصاحب البيت و أحواله , فالمراد بهم أهل العلم منهم المطلعون على سيرته الواقفون على طريقته العارفون بحكمه و حكمته . و بهذا يصلح أن يكون مقابلا لكتاب الله سبحانه كما قال : *( و يعلمهم الكتاب و الحكمة )* “ . قلت : و مثله قوله تعالى في خطاب أزواجه صلى الله عليه وسلم في آية التطهير المتقدمة : *( و اذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله و الحكمة )* . فتبين أن المراد بـ ( أهل البيت ) المتمسكين منهم بسنته صلى الله عليه وسلم , فتكون هي المقصود بالذات في الحديث , و لذلك جعلها أحد ( الثقلين ) في حديث زيد بن أرقم المقابل للثقل الأول و هو القرآن , و هو ما يشير إليه قول ابن الأثير في “ النهاية “ : “ سماهما ( ثقلين ) لأن الآخذ بهما ( يعني الكتاب و السنة ) و العمل بهما ثقيل , و يقال لكل خطير نفيس ( ثقل ) , فسماهما ( ثقلين ) إعظاما لقدرهما و تفخيما لشأنهما “ . قلت : و الحاصل أن ذكر أهل البيت في مقابل القرآن في هذا الحديث كذكر سنة الخلفاء الراشدين مع سنته صلى الله عليه وسلم في قوله : “ فعليكم بسنتي و سنة الخلفاء الراشدين ... “ . قال الشيخ القاريء ( 1 / 199 ) : “ فإنهم لم يعملوا إلا بسنتي , فالإضافة إليهم , إما لعملهم بها , أو لاستنباطهم و اختيارهم إياها “ . إذا عرفت ما تقدم فالحديث شاهد قوي لحديث “ الموطأ “ بلفظ : “ تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما , كتاب الله و سنة رسوله “ . و هو في “ المشكاة “ ( 186 ) . و قد خفي وجه هذا الشاهد على بعض من سود صفحات من إخواننا الناشئين اليوم في تضعيف حديث الموطأ . و الله المستعان .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جزاك الله خيرا على تعليقك.