الثلاثاء، 21 أكتوبر 2014

رجل يبغض زوجته.. ولكنه لا يستطيع فراقها.

قال في صيد الخاطر
شكا لي رجل من بغضه لزوجته ثم قال: ما أقدر على فراقها لأمور،
منها كثرة دينها علي وصبري قليل، ولا أكاد أسلم من فلتات لساني في الشكوى، وفي كلمات تعلم بغضي لها.
فقلت له: هذا لا ينفع وإنما تؤتى البيوت من أبوابها !
فينبغي أن تخلو بنفسك فتعلم أنها إنما سلطت عليك بذنوبك فتبالغ في الاعتذار والتوبة.
فأما التضجر والأذى لها فما ينفع كما قال الحسن بن الحجاج: عقوبة من الله لكم فلا تقابلوا عقوبته بالسيف وقابلوها بالاستغفار.
واعلم أنك في مقام مبتلي ولك أجر بالصبر " وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم " فعامل الله سبحانه بالصبر على ما قضى واسأله الفرج.
فإذا جمعت بين الاستغفار وبين التوبة من الذنوب والصبر على القضاء وسؤال الفرج، حصلت ثلاثة فنون من العبادة تثاب على كل منها.
ولا تضيع الزمان بشيء لا ينفع، ولا تحتل ظاناً منك أنك تدفع ما قدر: " وإن يمسسك اللّه بضر فلا كاشف له إِلاَّ هو " .
وقد روينا أن جندياً نزل يوماً في دار أبي يزيد، فجاء أبو يزيد فرآه فوقف وقال لبعض أصحابه: أدخل إلى المكان الفلاني فاقلع الطين الطري فإنه من وجه فيه شبهة فقلعه، فخرج الجندي.
وأما أذاك للمرأة فلا وجه له لأنها مسلطة فليكن شغلك بغير هذا.
وقد روي عن بعض السلف أن رجلاً شتمه فوضع خده على الأرض وقال اللهم اغفر لي الذنب الذي سلطت هذا به علي.
قال الرجل: وهذه المرأة تحبني زائداً في الحد، وتبالغ في خدمتي، غير أن البغض لها مركوز في طبعي.
قلت له: فعامل الله سبحانه بالصبر عليها فإنك تثاب.
وقد قيل لأبي عثمان النيسابوري: ما أرجى عملك عندك.
قال: كنت في صبوتي يجتهد أهلي أن أتزوج فآبي.
فجاءتني امرأة، فقالت: يا أبا عثمان، إني قد هويتك، وأنا أسألك بالله أن تتزوجني.
فأحضرت أباها - وكان فقيراً - فزوجني منها وفرح بذلك.
فلما دخلت إلي رأيتها عوراء عرجاء مشوهة.
وكانت لمحبتها لي تمنعني من الخروج، فأقعد حفظاً لقلبها، ولا أظهر لها من البغض شيئاً وكأني على جمر الغضا من بغضها.
فبقيت هكذا خمس عشرة سنة حتى ماتت، فما من عملي شيء هو أرجى عندي من حفظي قلبها.
قلت له: فهذا عمل الرجال، وأي شيء ينفع ضجيج المبتلى بالتضجر وإظهار البغض.
وإنما طريقه ما ذكرته لك من التوبة والصبر وسؤال الفرج.
وتذكر ذنوباً كانت هذه عقوبتها.
وبالغ، فإن وقع فرج فشيء كأنه ليس في الحساب، وإلا فاستعمال الصبر على القضاء عبادة.
وتكلف إظهار المودة لها وإن لم تكن في قلبك تثبت على هذا.
وليس القيد ذنباً فيلام، إنما ينبغي التشاغل مع من قيدك به والسلام.

ص 132

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جزاك الله خيرا على تعليقك.