الأربعاء، 10 يوليو 2019

خطبة عيد الأضحى 1436 -- الشيخ صالح المنجد.

الخطبة الأولى

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، الحمد لله الذي أكمل لنا الدين، وأتم علينا النعمة، ورضي لنا الإسلام دينًا، الحمد لله الذي شرع لنا: **مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ** [الشورى: 13].
فضل المسجد الحرام وما حوله

ثم جعل حوله مسجدًا، الصلاة فيه بمائة ألف، الفريضة وكل صلاة مشروعة في المسجد الحرام فريضة، تحية المسجد، ركعتي الطواف، الجنازة، صلاة العيدين، وهكذا، ثم جعل حوله حرمًا لا يدخله المشركون، ولا يجوز الصيد فيه، ولا تخويف الصيد، ولا تلتقط اللقطة، ولا يجوز كسر أغصان شجره، ولا اجتثاث نبته، وجعل حول الحرم، بعد ذلك دائرة أوسع، وهي المواقيت، فلا يأتي واحد للحج أو العمرة إلا وهو متواضع لله، كاشفًا رأسه، تاركًا الطيب والترفه، تواضعًا لله، ثم الدائرة الأوسع:** لِّتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا** [الشورى: 7]، وانطلقت دعوة النبي ﷺ من مكة إلى أنحاء العالم، ويجب على كل مسلمي هذه الأرض: التوجه إلى هذه البقعة، ولا يجوز استقبالها ولا استدبارها ببول ولا غائط، وحتى التفل:// من تفل تجاه القبلة، جاء يوم القيامة تفله بين عينيه// [رواه أبو داود:3826، وصححه الألباني في صحيح الجامع: 6160 ].
فضائل الأضحية
هذه الأضحية، تذكير لنا بالقربان، التقرب إلى الله، وابن آدم الأول قرب قربانًا، فتقبل منه، والثاني لم يتقبل منه، ما هو المعيار؟ **إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ** [المائدة: 27]. قالها ابن آدم الذي تقبل منه، وتقبل الله كذلك عبادة إبراهيم الخليل، وفداه بالكبش العظيم،


**لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ **[الحـج: 37]. فلا يصعد إلى الله اللحم ولا الدم، ولكن يصعد إليه هذه التقوى، هذه العبادة، تذكير لنا بالتقوى، لنكون من المتقين، نفعل ما أمر الله به، ونترك ما نهى الله عنه، هذه الأضحية العظيمة التي شرعها الله -سبحانه وتعالى- ذبحًا له، وهو نوع عظيم من العبادة، مثل الطواف، والدعاء، والاستغاثة، والنذر لله، الذبح له، هذا توحيد:** قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ **[الأنعام: 162].

عباد الله: فيها تعظيم لله، كلما استمسنت واستحسنت، وفيها: شكر لله على نعمة الحياة، أحياك إلى هذه السنة، وفيها: توسعة على النفس والأهل والجيران والأقارب، وتودد، وتقرب، وصلة رحم، ومع إخوانك المسلمين.
عباد الله: إن هذه الأضحية، والقربان العظيم، من أعظم الأعمال التي تفعل بالنسبة لنا أهل البلدان، في يوم النحر هذا الذي نحن فيه أعظم الأيام عند الله، ويقول بعض الناس -مع الأسف-: ما عندي قدرة على الأضحية، وبعضهم أرسلها إلى الخارج؛ لأن بمقدوره أن يذبح بسعر أقل، وبعضهم ليس عنده، ما هو العزاء لمن ليس عنده؟ أن النبي ﷺ ضحى بكبشين، واحد عن نفسه، وأهل بيته، وواحد عمن لم يضح من أمته، فكل من عجز عن الأضحية، فعزاه: أن محمدًا ﷺ قد ضحى عنه، إذا شهد لله بالوحدانية، وللنبي ﷺ بالبلاغ.
عباد الله: نحن في عيد، هذا يوم العيد، وأيام التشريق الثلاثة بعده: //أيام أكل وشرب، وذكر لله// [رواه أبو داود: 2815، وأحمد: 10674، وصححه الألباني في صحيح الجامع: 2284، وأصله في مسلم: 2733]، ولذلك فإننا نفرح بنعمة الله علينا.

اللهم أتمم لنا نورنا، وأسبغ علينا نعمتك، واجعلنا على الإسلام ثابتين، حتى نلقاك.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية


الحمد لله، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
اجتماع العبادات في عيد الأضحىعباد الله: الفرح بالإسلام عبادة عظيمة، وهذا اليوم الأضحى يوم فرح وسرور، تجتمع فيه عبادات، لا تجتمع في غيره، فالحجاج يرمون وينحرون، ويحلقون ويطوفون، ويسعون، وأهل البلدان يصلون العيد، ويضحون، والجميع يكبرون، التكبير المطلق، والتكبير المقيد، الذي ينتهي بعد عصر يوم الثالث عشر من ذي الحجة، وهو آخر أيام الذبح أيضاً، فمن استطاع أن يذبح في الحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر، فإنها ذبح للأضحية أيضاً.
عباد الله: نفرح بالإسلام، نفرح بالسنة، نفرح عندما نرى ديننا ممتد في العالم، نعتز به:** وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا** [الحـج: 34]. وهذه البدن جعل الله لنا فيها خير، وكذلك إذا وجبت جنوبها: **فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ}** [الحـج: 27]. {وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ** [الحـج: 36].
الأكل من الأضحية عبادة، هل رأيت شهوة للنفس فيها حسنات؟ هذا في دين الإسلام الأكل من الأضحية عبادة، وكذلك فإن هذه الأضحية، وهذا القربان العظيم، في هذا اليوم الذي ننحر فيه لله موحدين، مخلصين له الدين، إن هذا يزيدنا فرحًا بالإسلام.

وأنت ترى -يا عبد الله- أن أديان أهل الأرض محرفة، وتتغير، وأن دساتيرهم وقوانينهم وعاداتهم تتبدل، ما عندهم ثبات، لكن هذا الدين ثابت، منذ أن بعث الله محمدًا ﷺ، الأضحية هذه إلى قيام الساعة، وهذا البيت موجود إلى ما قبل قيام الساعة، والنبي ﷺ قال: //ليحجن البيت وليعتمرن بعد خروج يأجوج ومأجوج// [رواه البخاري: 1593]. فإذا أرسل الله الريح، وقبضت أرواح المؤمنين، ولم يبق في الأرض مسلم، يغار الله على بيته أن يبقى مهجورًا بلا عبادة، فيرسل الله ذا السويقتين من الحبشة، فيهدمه حجرًا حجرًا [انظر الحديث في البخاري: 1591، ومسلم: 7489]، وبعد ذلك تقوم الساعة، فإذا قلت: ما هو ضمان البشرية في البقاء؟ الجواب: هذا البيت، لا اقتصاد الشرق، ولا اقتصاد الغرب، ما هو الدليل؟ قال تعالى: **جَعَلَ اللّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِّلنَّاسِ** [المائدة: 97]. لا قيام له إلا بهذه الكعبة، فإذا زالت زالوا، وستبقى هذه المشاعر، وسيبقى هذا الإرث العظيم، هدي الحجاج اليوم من الرزق: **هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ** [المائدة: 95]. جعله الله شرعًا، وكذلك الفدية، لما يحصل من ترك واجب، أو فعل محظور، رزق لأهل الحرم كذلك، والأضاحي في البلدان من فضل الله ورحمته.


الفرح المشروع في الإسلامنحن نفرح بمحبتنا للنبي ﷺ لما قال: //أنت مع من أحببت// [رواه البخاري: 3688، ومسلم: 6878] فرح الصحابة، نفرح بأن الله جعل لنا توبة، والله يفرح بتوبة عبده، نفرح بصحبة الصالحين، كما فرح الصديق، لما قال له ﷺ: //الصحبة// جوابًا على سؤال الصديق: الصحبة؟ قال: //الصحبة// [انظر الحديث في البخاري: 2138] فما فرح الصديق بشيء كفرحه بذلك، نفرح بمبادرات المسلمين في الطاعات، كما فرح النبي ﷺ بجمع الثياب والطعام للفقراء: //دينار أنفقته في سبيل الله، ودينار أنفقته في رقبة، ودينار تصدقت به على مسكين، ودينار أنفقته على أهلك، أعظمها أجرًا الذي أنفقته على أهلك // [رواه مسلم: 2358]. فوسعوا على عيالكم في هذا اليوم، النفقة التي نبتغي بها وجه الله.


حكم الأضحية وغاياتهاعباد الله: نذبح اليوم، ونحن نحس بالمشاركة لحجاج بيت الله، وقد أمسكنا عن الشعر والأظفار، امتثالاً لأمر النبي ﷺ بذلك، وكذلك، فإننا نشكر الله على نعمه المتجددة المتعددة، ومنها هذه الأضحية العظيمة، قال ﷺ:// إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا، أن نصلي، ثم نرجع فننحر، من فعله فقد أصاب سنتنا، ومن ذبح قبل -الصلاة- فإنما هو لحم قدمه لأهله، ليس من النسك في شيء// [رواه البخاري: 5545، ومسلم: 5185]. الأضحية، تعلمنا الانضباط، والالتزام بمواقيت العبادات، الأضحية، تعلمنا مراعاة المشاعر: **وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ** [الحـج: 36] المتعرض لك، وغير المتعرض، الذي يسأل، والقنوع، والذي لا يسأل الناس إلحافًا، والعفيف المتكفف، المتعفف، وهذه الأضحية كلها لله، ولذلك لا يجوز أن نبيع منها، لا جلدًا، ولا رأسا، ولا كرشًا، كلها لله، وأول ما نطعم في يومنا هذا شيئًا منها، وأيضاً، فإن هذه الصدقة العظيمة التي تمضي لله، تحتسب فيها -يا عبد الله- أن يعتقك الله من النار كلك، بشعرك وأظفارك التي تركتها لله -عز وجل-.

عباد الله: نذبح أضاحينا، ونفوسنا من جهة في فرح لهذه النعمة العظيمة، ويوم الأضحى، ومن جهة أخرى في حزن، ونحن نتذكر بدماء الأضاحي، تلك الدماء التي تسيل لإخواننا في أمصار من العالم. ولذلك نسأل الله -سبحانه وتعالى- في يومنا هذا، في مقامنا هذا، في ساعتنا هذه، اللهم اكشف البلاء عن أمة محمد ﷺ، اللهم ارحم المستضعفين من المسلمين، يا رب العالمين، اكشف الغمة عن الأمة، وارفع البأس عن عبادك، يا رحيم، ليس لها من دونك كاشفة، اكشف ما نزل بهم من ضر، وعجل بنصر الإٍسلام وأهله، يا قوي يا عزيز.
موعظة خاصة بالنساء
ونساء المسلمين في يومنا هذا، أمرنا عليه الصلاة والسلام بإخراج النساء لصلاة العيد، التذكير بالشخصية الإسلامية، والحجاب، والطاعة لله، وألا تنساق وراء أعداء الله، فلها شخصيتها وعزتها في هذا الدين، طاعتها لربها، وطاعتها لزوجها، وقرارها في بيتها، والتزامها بشرع الله -عز وجل-.
تتكون الأسرة، من زوج يعرف الله، ويقوم لله بالمسؤولية: // كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته// [رواه البخاري: 893]. ينفق ويبذل، كما يفعل اليوم في الضحية، ولأهله نصيب منها، وكذلك هي تطيع ربها، وتطيع زوجها، ومسؤولة عن رعيتها.

 اللهم إنا نسألك في ساعتنا هذه أن تغفر لنا أجمعين، وأن تخرجنا من ذنوبنا كيوم ولدتنا أمهاتنا، يا أرحم الراحمين، لا تدع ذنبًا إلا غفرته، اهد ضالنا، وارحم ميتنا، واشف مريضنا، اللهم إنا نسألك أن تنقذ المسجد الأقصى من أيدي اليهود، يا رب العالمين، اللهم أخزهم ومن والاهم، ودمرهم تدميرًا.اللهم عليك بأعداء الدين، عليك بالمشركين، اللهم إنا نسألك أن تسلط جندك عليهم، اللهم إنا نسألك في مقامنا هذا أن تجعل بلدنا هذا آمنا مطمئنا، وسائر بلاد المسلمين، آمنا في الأوطان والدور، وأصلح الأئمة وولاة الأمور، ومن أراد بلدنا هذا بسوء، فامكر به، واقطع دابره، واجعل تدبيره تدميرًا عليه، اللهم اجعل بلدنا وبلاد المسلمين آمنة بذكرك، مطمئنة بشرعك، يا أرحم الراحمين، اختم بالصالحات أعمالنا، وتقبل منا إنك أنت السميع العليم، اعتق رقابنا من النار، وأدخلنا الجنة مع الأبرار، يا رحيم يا غفار، اغفر لنا ولوالدينا وللمؤمنين يوم يقوم الحساب. **سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ** [الصافات: 180- 182].

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جزاك الله خيرا على تعليقك.