السبت، 5 مايو 2018

[ فتوى للشيخ الألباني رحمه الله فيما يخص قضية زكاة عروض التجارة ]


فهذه هي فتوى الشيخ اللباني رحمه :
(( السائل: عروض التجارة، معلوم الخلاف بين أهل العلم في حكم الزكاة فيها، وقول الجمهور بوجوب الزكاة في عروض التجارة، والقول الآخر بوجوب الزكاة عموما من غير حول ولا نصاب، وقول الجمهور بوجوب الزكاة حولا ونصابا.<br>نريد تحرير المسألة على ضوء الكتاب والسنة وفهم السلف الصالح لهذه المسألة، بحيث ان نخرج بها متمكنة بها قلبنا في هذا بالقول الصحيح.

قال الشيخ رحمه الله بعد خطبة الحاجة: أما بعد، فمن المعلوم عند أهل العلم قاطبة ان الأصل في الأموال -كما هو الأصل في الدماء وفي الفروض، ألا وهو- الحرمة، وأنه لا يجوز إيجاب شيء من هذه الأمور الثلاثة إلا بنص من كتاب الله أو من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أو بإجماع متيقن من علماء الأمة، وفيما علمت واطلعت عليه ووقفت، لم أجد دليلا مما يعود إلى هذه المصادر الثلاثة على ماذهب إليه أكثر العلماء من الفقهاء المتقدمين والمتأخرين من إيجاب الزكاة على عروض التجارة بالشرطين المذكورين آنفا في سؤالك، وهو أن بيلغ النصاب اولا، ثم ان يحول عليه الحول ثانيا، وشيء ثالث يقولونه أنه إذا تحقق هذان الشرطان في شيء من عروض التجارة فلابد من تقويم هذه العروض في آخر كل سنة بعد ان حال الحول، بعد التقويم يخرج من القيمة المقدرة بالمائة اثنان ونصف كما هو الشيء في زكاة النقدين، مثل هذا التفصيل لم نجده منصوصا كما ذكرنا في الكتاب والسنة وإجماع الأمة ، الأصل كما ذكرنا، فنحن موقفنا موقف المنع من أن يفرض زكاة على أموال التجارة بكيفية وتقييد لم يرد لهما ذكر في مصدر من تلك المصادر، لكن لا يخفى على كل باحث أو عالم أن هناك نصوصا عامة تأمر بإخراج الزكاة وبتطهير النفوس بإخراج الزكاة، نصوصا عامة، ثم هناك نصوص خاصة بينت ماهي الأشياء التي يجب عليها الزكاة وماهي المقادير التي تجب، سواءا ماكان منها متعلقا بالنقدين- كما سبقت الاشارة آنفا - أو ماكان منها متعلقا ببعض الحيوانات الأهلية كالغنم والبقر والإبل، أو كالمتعلقة ببعض الثمار ونحو ذلك، -هناك نصوص تتعلق ببيان نصوص على هذه الأنواع- فنحن نقول: لن تجدوا هذه النصوص وننفذها ولا نزيد عليها، استعمالا للنظر أو القياس ، لأن هناك مايمنع منه ألا وهو ذلك الأصل ، كمثل حديث معاذ بن جبل - رضي الله تعالى عنه- حينما أرسله الرسول صلى الله عليه وسلم إلى اليمن داعية ومبشرا ومعلما ، قال له عليه الصلاة والسلام: لا تأخذ الصدقة إلا من هذه الأنواع الأربعة، فذكر القمح والشعير والتمر والزبيب، فإذن قوله، لا تأخذ تأكيدا لتلك القاعدة لأن الأصل في الأموال الحرمة إلا فيما جاء فيه نص، وانضم إلى هذا احاديث اخرى تصرح فتقول -مثلا في الحديث المتفق عليه ألا وهو قوله عليه الصلاة والسلام- :<<لا صدقة على عبد الرجل ولا على فرسه>>،أو كما قال عليه الصلاة والسلام، والحديث في الصحيحين.<br> لذلك لما جاء بعض التجار من الشام إلى عمر بن عبد الخطاب-رضي الله تعالى عنه- ومعهم خيل -أي التجارة- قيل له: ياأمير المؤمنين خذ منها زكاتها، قال رضي الله عنه: إنه لم يفعل ذلك صاحباي من قبلي، فألح وألحوا، وكان في المجلس علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- قال: ياأمير المؤمنين خذها منهم صدقة، على أنها صدقة من الصدقات، فأخذها فطابت قلوبهم. فهذا دليل على ان الخيل كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يأخذ عليها الزكاة، والحديث في مسند الإمام أحمد ففيه بيان ان الخيل التي كانت تربى وتشترى من أجل المتاجرة فيها ، أنه لا زكاة عليها، أي كما فرض الرسول صلى الله عليه وسلم الزكاة على الحيوانات الأخرى التي سبق ذكرها كالغنم والبقر والإبل. إلى هنا ينتهي بيان ماعندي جواب على ذلك السؤال. ولكن يظن كثير من الفقهاء المعاصرين -إن لم نقل من المتفقهة- لأن أكثر هؤلاء المعاصرين لم يتفقهوا في كتاب الله ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما إن كانوا قد تفقهوا فتفقهوا بما قرؤوه في الكتب الفقهية التقليدية المذهبية التي تفرض على قارئها وعلى المتفقه بها ان يلتزمها دون أن يعرف دليل أصحابها، وخير من هؤلاء من يتفقه على المذاهب الأربعة وهو ما يسمى اليوم الفقه المقارن، ويقرأ قول هذا المذهب وذاك المذهب ويعيش في اختلافات، ثم ينقل رأي كل مذهب مقرونا بالدليل الذي يذكره المذهب دون أن يدرس هذه الأدلة على ضوء الأصول العلمية من أصول الحديث أو أصول الفقه أو مثلا لا يأمل أصل من أصول الفقه، الخاص والعام والمقيد والمطلق، مما يكون قد درسه من علم الأصول ودرسه، وربما قد بحث بحثا نظريا ولكن لن يصدق ذلك علميا، كذلك مايتعلق بالأصل الآخر ألا وهو أصل المنهجية وأصوله، ومثلا حينما ينقل أدلة كل قول أو مذهب لا يجري عليها التحقيق العلمي فيقول : هذا حديث صحيح وهذا حسن وهذا ضعيف ونحو ذلك، كالذي يقعون فيه اليوم أنهم بسهولة مايذهبون إليه ويقعون فيه يراعون مايسمونه المصلحة، وذلك يغنيهم على ان يجهدوا أنفسهم وأن يطبقوا الأصول العلمية المشار إليها آنفا، ثم إذا رأوا المصلحة فماذا يراعون؟ مصلحة الفقير أم مصلحة الغني؟ أم المصلحتين المتعلقتين بكل من الفريقين، أنما هي مصلحة واحدة.<br>اما الشارع فقد رأى مصلحة الفريقين، وهذا هو الفرق بين حكم الشارع الحكيم ونظر الناظرين والرائين من أهل الرأي، هذا أريد أيضا أن أمسك النظرإليه، وشيء آخر وأرجو ان يكون هو الأخير، هؤلاء الرائين والناظرين والذين يبحثون في مصلحة الفقراء والمساكين، هؤلاء ينظرون إلى المسألة- التي نحن بصددها والكلام حولها، ينظرون إليها- بعين واحدة وهاكم البيان:<br> يقولون ليس من مصلحة الفقراء والمساكين ولا هو مم يدل على ذلك حكمة أحكم الحاكمين أن يكون الرجل عنده الملايين المملينة قيمة عروض التجارة ألا يفرض عليها الزكاة بغية حرمان الفقراء والمساكين من ان يحصلوا على حقهم المعلوم والمذكور في قوله تعالى:<< وفي أموالكم حق معلوم للسائل والمحروم>>، والجواب على هذا من ناحيتين اثنتين، ولعلنا ننتهي من بيانهما من الكلام حول هذه المسألة لنتلقى ماقد يرد علينا من إشكالات إو شبهات أو اعتراضات.<br> الجواب الأول: إننا نحن نتمسك بالأصل العام الذي سبقت الإشارة إليه في أول الكلام، فنقول يجب على هؤلاء الأغنياء - بعروض التجارة- زكاة منها نفسها لتحقيق الغاية المطلوبة التي من أجلها فرضت الزكاة بكل أنواعها وأشكالها كما أشار إلى ذلك ربنا عزوجل في القرآن الكريم في قوله:<< خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها>>، فإذن على كل غني عنده عروض تجارة أن يطهر نفسه مما أحضرت عليه الأنفس ألا وهو الشح كما قال عزوجل:<< وأحضرت الأنفس الشح>>، أن يطهر نفسه من هذا الشح بأن يخرج ماتطيب به نفسه زكاة واجبة عليه لكي يطهر نفسه من دنس البخل والشح، هذا الجواب الأول، فلا يفهمن أحد أن الأغنياء بعروض التجارة أن لا زكاة عليها مطلقا ، لأن بحثنا إنما هو ان لا زكاة عليها مقننة مما سبق بيانه في أول الكلام، أما الزكاة المطلقة لا بد منها، كما قال تعالى: <وآتوا حقه يوم حصاده>، هذا الحق منه مطلق فيجري على إطلاقه، وقسم منه مقيد كما جاء بيانه في السنة وفي كتب الفقه أيضا، على خلاف بينهم في بعض الفروع.<br>أما الأمر الآخر، أقول - والواقع يؤكد ذلك- أن من حكمة أحكم الحاكمين ان الله عزوجل فرض على المال المكنوززكاة معينة بنصاب معلوم مادام هذا المال مكنوزا، ولم يفرض مثل هذه الزكاة على هذا المال إن كان مكنوزا وتحول إلى عروض التجارة، في ذلك حكمة بالغة، لأن الفائدة الكبرى بالنسبة للمجتمع الإسلامي ككل، تتحقق بعدم فرض الزكاة هذه مقننة على هذه الأموال التي هي معروضة للتجارة أكثر، بدليل ان المال المكنوز عندما يتحول إلى تجارة، في ذلك تحريك لهذه الأموال وتشغيل الفقراء والمساكين، تكون فائدته أولا أكثر من هذه النسبة المئوية التي تفرض على الأموال المكنوزة من ذهب أوفضة، ثم تكون أطهر وأشرف لهم، كما أشار إلى ذلك عليه الصلاة والسلام في الحديث المعروف: << اليد العليا خير من اليد السفلى واليد العليا هي المعطية واليد السفلى هي الآخذة>>، وكما قال في الحديث المعروف أيضا: << أطيب الكسب كسب الرجل من عمل يده، وإن أولادكم من كسبكم>> فإذن تحول المال المكنوز إلى عروض التجارة، ذلك أنفع للمساكين وأشرف لهم، لأنه يأخذونه من كسب أيديهم. والحمد لله رب العالمين، هذا ماعندي والآن نسمع ماعندكم.

من أشرطة سلسلة الهدى والنور.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جزاك الله خيرا على تعليقك.