الثلاثاء، 14 مارس 2017

مناظرة بين قاضي و لص فقيه.




خرج قاضي أنطاكية ليلاً إلى مزرعةٍ له ، فلما سار من البلد اعترضه لص : فقال له :
دع ما معك و إلا أوقعتُ بك المكروه .

*فقال القاضي* :
أيَّدَك الله ؛ إن لأهل العلم حرمة ، و أنا قاضي البلد ، فَمُنَّ عليَّ

*فقال اللص* :
الحمد لله الذي أمكنني منك ، لأني منك على يقين أنك ترجع إلى كفاية من الثياب و الدواب ، أما غيرك فربما كان ضعيف الحال فقيراً ، لا يجد شيئاً

*فقال له القاضي* :
أين أنت مما يُروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم :
« الدين دين الله ، و العباد عباد الله ، و السنة سُنَّتي ، فمَن ابتدع فعليه لعنة الله » .
و قطعُ الطريق بدعة ، و أنا أشفق عليك من أن تدخل تحت اللعنة

*فقال اللص* :
يا سيدي هذا حديث مُرْسَل ، لم يُرْوَ عن نافع ، و لا عن ابن عمر .
و لو سلّمته لك تسليم عدل أو تسليم انقطاع ؛ فما بالك بلص متلصص مما لا قوت له ، و لا يرجع إلى كفاية عنده ! ؛
إن ما معك هو حلال لي فقد روى مالك عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه عليه و سلم قال :

« لو كانت الدنيا دماً عبيطاً لكان قوت المؤمنين منها حلالاً » .

و لا خلاف عند جميع العلماء أن للإنسان أن يحيي نفسه و عياله بمال غيره إذا خشي الهلاك .

و أنا و اللهِ أخشى الهلاك على نفسي ، و فيما معك إحيائي و إحياء عيالي ، فسَلِّمه لي و انصَرِف سالماً

*فقال القاضي* :
إذا كانت هذه حالتك فدعني أذهب إلى مزرعتي ، فأنزِلُ إلى عبيدي و خدمي ، و آخُذُ منهم ما أستتر به ، و أدفع إليك جميع ما معي

*فقال اللص* :
هيهات ! فمثلك مثل الطير في القفص ، فإذا خرج إلى الهواء خرج عن اليد ، و أخاف أن أخلي عنك فلا تدفع لي شيئا ً!

*فقال القاضي* : أنا أحلف لك أني أفعل ذلك ..

*فقال اللص* :
حدثني مالك عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
« *يمين المُكره لا تُلْزِم*»

و قال تعالى : ( إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَان )
[ سورة النحل : ١٠٦ ]

فادفع ما معك .

فأعطاه القاضي الدابة و الثياب دون السراويل ..

فقال اللص : سَلِّم السراويل ، و لا بُدَّ منها..

*فقال القاضي* :
إنه قد آنَ وقتُ الصلاة ، و قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
« ملعون مَن نظر إلى سوأة أخيه » .

و قد آنَ وقتُ الصلاةِ ، و لا صلاة لعريان ، و الله تبارك و تعالى يقول : ( يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ )
[ سورة الأعراف : ٣١ ] ؛
و قيل في التفسير : هي الثياب عند الصلاة ..

*فقال اللص* :
دمم أما صلاتك فهي صحيحة ؛ حدَّثَنَا مالك عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :

« *العراة يُصلُّون قياماً ، و يقوم إمامهم وسطهم* »

و *قال الامام مالك* :
لا يُصلُّون قياماً ؛ يُصلون متفرقين متباعدين ، حتى لا ينظر أحد منهم إلى سوءة البعض .

و *قال الامام أبو حنيفة* : يصلون قعودا ً.

و أما الحديث الذي ذكرتَ فهو حديث مُرْسَلٌ ، و لو سلّمته لكان محمولاً على النظر على سبيل التلذُّذ ، و أما أنت فحالك اضطرار ، لا حال اختيار .

*فقال القاضي* : أنت القاضي و أنا المستقضي ، و أنت الفقيه ، و أنا المستفتي، و أنت المفتي ، خذ ما تريد ، و لا حول ولا قوة إلا بالله .

فأخذ السراويل و الثياب و مضى .

أوردها *ابن الجوزي* نحو ذلك في كتابه : ( الأذكياء ) .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جزاك الله خيرا على تعليقك.