الخميس، 5 يونيو 2014

قتل مائة نفس.

ﻳﺤﻴﻂ ﺑﺎﺑﻦ ﺁﺩﻡ ﺃﻋﺪﺍﺀ ﻛﺜﻴﺮﻭﻥ ﻳﺤﺴِّﻨﻮﻥ ﻟﻪ ﺍﻟﻘﺒﻴﺢ ، ﻭﻳﻘﺒﺤﻮﻥ ﻟﻪ
ﺍﻟﺤﺴﻦ ، ﻭﻳﺪﻋﻮﻧﻪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺸﻬﻮﺍﺕ ، ﻭﻳﻘﻮﺩﻭﻧﻪ ﺇﻟﻰ ﻣﻬﺎﻭﻱ
ﺍﻟﺮﺩﻯ ، ﻟﻴﻨﺤﺪﺭ ﻓﻲ ﻣﻮﺑﻘﺎﺕ ﺍﻟﺬﻧﻮﺏ ﻭﺍﻟﻤﻌﺎﺻﻲ ، ﻭﻣﻊ ﻭﻗﻮﻋﻪ
ﻓﻲ ﺍﻟﺬﻧﺐ ، ﻭﻭﻟﻮﻏﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﺨﻄﺌﻴﺔ ، ﻓﻘﺪ ﻳﺼﺎﺣﺐ ﺫﻟﻚ ﺿﻴﻖ
ﻭﺣﺮﺝ ، ﻭﺗﻮﺻﺪ ﺃﻣﺎﻣﻪ ﺃﺑﻮﺍﺏ ﺍﻷﻣﻞ ، ﻭﻳﺪﺧﻞ ﻓﻲ ﺩﺍﺋﺮﺓ ﺍﻟﻴﺄﺱ
ﻣﻦ ﺭﻭﺡ ﺍﻟﻠﻪ ، ﻭﺍﻟﻘﻨﻮﻁ ﻣﻦ ﺭﺣﻤﺔ ﺍﻟﻠﻪ ، ﻭﻟﻜﻦ ﺍﻟﻠﻪ ﺑﻠﻄﻔﻪ
ﻭﺭﺣﻤﺘﻪ ﻓﺘﺢ ﻟﻌﺒﺎﺩﻩ ﺃﺑﻮﺍﺏ ﺍﻟﺘﻮﺑﺔ ، ﻭﺟﻌﻞ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻼﺫﺍً ﻣﻜﻴﻨﺎً ،
ﻭﻣﻠﺠﺄ ﺣﺼﻴﻨﺎً ، ﻳَﻠِﺠُﻪ ﺍﻟﻤﺬﻧﺐ ﻣﻌﺘﺮﻓﺎ ﺑﺬﻧﺒﻪ ، ﻣﺆﻣﻼً ﻓﻲ ﺭﺑﻪ ،
ﻧﺎﺩﻣﺎً ﻋﻠﻰ ﻓﻌﻠﻪ ، ﻏﻴﺮ ﻣﺼﺮٍ ﻋﻠﻰ ﺧﻄﻴﺌﺘﻪ ، ﻟﻴﻜﻔﺮ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ
ﺳﻴﺌﺎﺗﻪ ، ﻭﻳﺮﻓﻊ ﻣﻦ ﺩﺭﺟﺎﺗﻪ .
ﻭﻗﺪ ﻗﺺ ﺍﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻗﺼﺔ ﺭﺟﻞ ﺃﺳﺮﻑ ﻋﻠﻰ
ﻧﻔﺴﻪ ﺛﻢ ﺗﺎﺏ ﻭﺃﻧﺎﺏ ﻓﻘﺒﻞ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻮﺑﺘﻪ ، ﻭﺍﻟﻘﺼﺔ ﺭﻭﺍﻫﺎ ﺍﻹﻣﺎﻡ
ﻣﺴﻠﻢ ﻓﻲ ﺻﺤﻴﺤﻪ ﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﺳﻌﻴﺪ ﺍﻟﺨﺪﺭﻱ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ ﺃﻥ
ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻗﺎﻝ : ‏( ﻛﺎﻥ ﻓﻴﻤﻦ ﻛﺎﻥ
ﻗﺒﻠﻜﻢ ﺭﺟﻞ ﻗﺘﻞ ﺗﺴﻌﺔ ﻭﺗﺴﻌﻴﻦ ﻧﻔﺴﺎ ، ﻓﺴﺄﻝ ﻋﻦ ﺃﻋﻠﻢ ﺃﻫﻞ
ﺍﻷﺭﺽ ، ﻓﺪُﻝَّ ﻋﻠﻰ ﺭﺍﻫﺐ ، ﻓﺄﺗﺎﻩ ﻓﻘﺎﻝ : ﺇﻧﻪ ﻗﺘﻞ ﺗﺴﻌﺔ
ﻭﺗﺴﻌﻴﻦ ﻧﻔﺴﺎ ، ﻓﻬﻞ ﻟﻪ ﻣﻦ ﺗﻮﺑﺔ ، ﻓﻘﺎﻝ : ﻻ ، ﻓﻘﺘﻠﻪ ﻓﻜﻤﻞ
ﺑﻪ ﻣﺎﺋﺔ ، ﺛﻢ ﺳﺄﻝ ﻋﻦ ﺃﻋﻠﻢ ﺃﻫﻞ ﺍﻷﺭﺽ ، ﻓﺪُﻝَّ ﻋﻠﻰ ﺭﺟﻞ
ﻋﺎﻟﻢ ، ﻓﻘﺎﻝ : ﺇﻧﻪ ﻗﺘﻞ ﻣﺎﺋﺔ ﻧﻔﺲ ، ﻓﻬﻞ ﻟﻪ ﻣﻦ ﺗﻮﺑﺔ،
ﻓﻘﺎﻝ : ﻧﻌﻢ ، ﻭﻣﻦ ﻳﺤﻮﻝ ﺑﻴﻨﻪ ﻭﺑﻴﻦ ﺍﻟﺘﻮﺑﺔ ، ﺍﻧﻄﻠﻖ ﺇﻟﻰ ﺃﺭﺽ
ﻛﺬﺍ ﻭﻛﺬﺍ ، ﻓﺈﻥ ﺑﻬﺎ ﺃﻧﺎﺳﺎ ﻳﻌﺒﺪﻭﻥ ﺍﻟﻠﻪ ، ﻓﺎﻋﺒﺪ ﺍﻟﻠﻪ ﻣﻌﻬﻢ ، ﻭﻻ
ﺗﺮﺟﻊ ﺇﻟﻰ ﺃﺭﺿﻚ ، ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺃﺭﺽ ﺳﻮﺀ ، ﻓﺎﻧﻄﻠﻖ ﺣﺘﻰ ﺇﺫﺍ ﻧﺼَﻒَ
ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ ﺃﺗﺎﻩ ﺍﻟﻤﻮﺕ ، ﻓﺎﺧﺘﺼﻤﺖ ﻓﻴﻪ ﻣﻼﺋﻜﺔ ﺍﻟﺮﺣﻤﺔ ﻭﻣﻼﺋﻜﺔ
ﺍﻟﻌﺬﺍﺏ ، ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻣﻼﺋﻜﺔ ﺍﻟﺮﺣﻤﺔ : ﺟﺎﺀ ﺗﺎﺋﺒﺎ ﻣﻘﺒﻼ ﺑﻘﻠﺒﻪ ﺇﻟﻰ
ﺍﻟﻠﻪ ، ﻭﻗﺎﻟﺖ ﻣﻼﺋﻜﺔ ﺍﻟﻌﺬﺍﺏ : ﺇﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﻌﻤﻞ ﺧﻴﺮﺍ ﻗﻂ ، ﻓﺄﺗﺎﻫﻢ
ﻣﻠَﻚٌ ﻓﻲ ﺻﻮﺭﺓ ﺁﺩﻣﻲ ، ﻓﺠﻌﻠﻮﻩ ﺑﻴﻨﻬﻢ ، ﻓﻘﺎﻝ : ﻗﻴﺴﻮﺍ ﻣﺎ ﺑﻴﻦ
ﺍﻷﺭﺿﻴﻦ ، ﻓﺈﻟﻰ ﺃﻳﺘﻬﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﺃﺩﻧﻰ ﻓﻬﻮ ﻟﻪ ، ﻓﻘﺎﺳﻮﻩ ﻓﻮﺟﺪﻭﻩ
ﺃﺩﻧﻰ ﺇﻟﻰ ﺍﻷﺭﺽ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﺭﺍﺩ ، ﻓﻘﺒﻀﺘﻪ ﻣﻼﺋﻜﺔ ﺍﻟﺮﺣﻤﺔ . ﻗﺎﻝ
ﻗﺘﺎﺩﺓ : ﻓﻘﺎﻝ ﺍﻟﺤﺴﻦ : ﺫُﻛِﺮَ ﻟﻨﺎ ﺃﻧﻪ ﻟﻤﺎ ﺃﺗﺎﻩ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﻧﺄﻯ ﺑﺼﺪﺭﻩ
‏) .
ﻫﺬﻩ ﻗﺼﺔ ﺭﺟﻞ ﺃﺳﺮﻑ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﻪ ﺑﺎﺭﺗﻜﺎﺏ ﺍﻟﺬﻧﻮﺏ ﻭﺍﻟﻤﻮﺑﻘﺎﺕ ،
ﺣﺘﻰ ﻗﺘﻞ ﻣﺎﺋﺔ ﻧﻔﺲ ، ﻭﺃﻱ ﺫﻧﺐ ﺑﻌﺪ ﺍﻟﺸﺮﻙ ﺃﻋﻈﻢ ﻣﻦ ﻗﺘﻞ
ﺍﻟﻨﻔﺲ ﺑﻐﻴﺮ ﺣﻖ ؟ ! ، ﻭﻣﻊ ﻛﻞ ﺍﻟﺬﻱ ﺍﻗﺘﺮﻓﻪ ﺇﻻ ﺃﻧﻪ ﻛﺎﻥ ﻻ
ﻳﺰﺍﻝ ﻓﻲ ﻗﻠﺒﻪ ﺑﻘﻴﺔ ﻣﻦ ﺧﻴﺮ ، ﻭﺑﺼﻴﺺ ﻣﻦ ﺃﻣﻞ ﻳﺪﻋﻮﻩ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ
ﻳﻄﻠﺐ ﻋﻔﻮ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﻣﻐﻔﺮﺗﻪ ، ﻓﺨﺮﺝ ﻣﻦ ﺑﻴﺘﻪ ﺑﺎﺣﺜﺎً ﻋﻦ ﻋﺎﻟﻢ
ﻳﻔﺘﻴﻪ ، ﻭﻳﻔﺘﺢ ﻟﻪ ﺃﺑﻮﺍﺏ ﺍﻟﺮﺟﺎﺀ ﻭﺍﻟﺘﻮﺑﺔ ، ﻭﻣﻦ ﺷﺪﺓ ﺣﺮﺻﻪ
ﻭﺗﺤﺮﻳﻪ ﻟﻢ ﻳﺴﺄﻝ ﻋﻦ ﺃﻱ ﻋﺎﻟﻢ ، ﺑﻞ ﺳﺄﻝ ﻋﻦ ﺃﻋﻠﻢ ﺃﻫﻞ ﺍﻷﺭﺽ
ﻟﻴﻜﻮﻥ ﻋﻠﻰ ﻳﻘﻴﻦ ﻣﻦ ﺃﻣﺮﻩ ،
ﻓﺪُﻝَّ ﻋﻠﻰ ﺭﺟﻞ ﺭﺍﻫﺐ ﻭﺍﻟﻤﻌﺮﻭﻑ ﻋﻦ ﺍﻟﺮﻫﺒﺎﻥ ﻛﺜﺮﺓ ﺍﻟﻌﺒﺎﺩﺓ
ﻭﻗﻠﺔ ﺍﻟﻌﻠﻢ ، ﻓﺄﺧﺒﺮﻩ ﺑﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﻣﻨﻪ ، ﻓﺎﺳﺘﻌﻈﻢ ﺍﻟﺮﺍﻫﺐ ﺫﻧﺒﻪ ،
ﻭﻗﻨَّﻄﻪ ﻣﻦ ﺭﺣﻤﺔ ﺍﻟﻠﻪ ، ﻭﺍﺯﺩﺍﺩ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﻏﻴّﺎً ﺇﻟﻰ ﻏﻴِّﻪ ﺑﻌﺪ ﺃﻥ
ﺃُﺧْﺒِﺮ ﺃﻥ ﺍﻟﺘﻮﺑﺔ ﻣﺤﺠﻮﺑﺔ ﻋﻨﻪ ، ﻓﻘﺘﻞ ﺍﻟﺮﺍﻫﺐ ﻟﻴﺘﻢ ﺑﻪ ﺍﻟﻤﺎﺋﺔ .
ﻭﻣﻊ ﺫﻟﻚ ﻟﻢ ﻳﻴﺄﺱ ﻭﻟﻢ ﻳﻘﺘﻨﻊ ﺑﻤﺎ ﻗﺎﻝ ﺍﻟﺮﺍﻫﺐ ، ﻓﺴﺄﻝ ﻣﺮﺓ
ﺃﺧﺮﻯ ﻋﻦ ﺃﻋﻠﻢ ﺃﻫﻞ ﺍﻷﺭﺽ ، ﻭﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺮﺓ ﺩُﻝَّ ﻋﻠﻰ ﺭﺟﻞ
ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻋﺎﻟﻤﺎً ﻓﺤﺴﺐ ﻭﻟﻜﻨﻪ ﻛﺎﻥ ﻣﺮﺑﻴﺎً ﻭﻣﻮﺟﻬﺎً ﺧﺒﻴﺮﺍً ﺑﺎﻟﻨﻔﻮﺱ
ﻭﺃﺣﻮﺍﻟﻬﺎ ، ﻓﺴﺄﻟﻪ ﻣﺎ ﺇﺫﺍ ﻛﺎﻧﺖ ﻟﻪ ﺗﻮﺑﺔ ﺑﻌﺪ ﻛﻞ ﺍﻟﺬﻱ ﻓﻌﻠﻪ ،
ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻪ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﻣﺴﺘﻨﻜﺮﺍ ﻭﻣﺴﺘﻐﺮﺑﺎ : ﻭﻣﻦ ﻳﺤﻮﻝ ﺑﻴﻨﻚ ﻭﺑﻴﻦ
ﺍﻟﺘﻮﺑﺔ ؟ ! ، ﻭﻛﺄﻧﻪ ﻳﻘﻮﻝ : ﺇﻧﻬﺎ ﻣﺴﺄﻟﺔ ﺑﺪﻫﻴﺔ ﻻ ﺗﺤﺘﺎﺝ ﺇﻟﻰ
ﻛﺜﻴﺮ ﺗﻔﻜﻴﺮ ﺃﻭﺳﺆﺍﻝ ، ﻓﺒﺎﺏ ﺍﻟﺘﻮﺑﺔ ﻣﻔﺘﻮﺡ ، ﻭﺍﻟﻠﻪ ﻋﺰ ﻭﺟﻞ ﻻ
ﻳﺘﻌﺎﻇﻤﻪ ﺫﻧﺐ ﺃﻥ ﻳﻐﻔﺮﻩ ، ﻭﺭﺣﻤﺘﻪ ﻭﺳﻌﺖ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ ، ﻭﻛﺎﻥ ﻫﺬﺍ
ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﻣﺮﺑﻴﺎ ﺣﻜﻴﻤﺎ ، ﺣﻴﺚ ﻟﻢ ﻳﻜﺘﻒ ﺑﺈﺟﺎﺑﺘﻪ ﻋﻦ ﺳﺆﺍﻟﻪ ﻭﺑﻴﺎﻥ
ﺃﻥ ﺑﺎﺏ ﺍﻟﺘﻮﺑﺔ ﻣﻔﺘﻮﺡ ، ﺑﻞ ﺩﻟﻪ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ ﺍﻟﻤﻮﺻﻞ ﺇﻟﻴﻬﺎ ،
ﻭﻫﻮ ﺃﻥ ﻳﻐﻴﺮ ﻣﻨﻬﺞ ﺣﻴﺎﺗﻪ ، ﻭﻳﻔﺎﺭﻕ ﺍﻟﺒﻴﺌﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺬﻛﺮﻩ
ﺑﺎﻟﻤﻌﺼﻴﺔ ﻭﺗﺤﺜﻪ ﻋﻠﻴﻬﺎ ، ﻭﻳﺘﺮﻙ ﺭﻓﻘﺔ ﺍﻟﺴﻮﺀ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻌﻴﻨﻪ ﻋﻠﻰ
ﺍﻟﻔﺴﺎﺩ ، ﻭﺗﺰﻳﻦ ﻟﻪ ﺍﻟﺸﺮ ، ﻭﻳﻬﺎﺟﺮ ﺇﻟﻰ ﺃﺭﺽ ﺃﺧﺮﻯ ﻓﻴﻬﺎ
ﺃﻗﻮﺍﻡ ﺻﺎﻟﺤﻮﻥ ﻳﻌﺒﺪﻭﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ، ﻭﻛﺎﻥ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﺻﺎﺩﻗﺎ ﻓﻲ
ﻃﻠﺐ ﺍﻟﺘﻮﺑﺔ ﻓﻠﻢ ﻳﺘﺮﺩﺩ ﻟﺤﻈﺔ ، ﻭﺧﺮﺝ ﻗﺎﺻﺪﺍ ﺗﻠﻚ ﺍﻷﺭﺽ ، ﻭﻟﻤﺎ
ﻭﺻﻞ ﺇﻟﻰ ﻣﻨﺘﺼﻒ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ ﺣﻀﺮﻩ ﺃﺟﻠﻪ ، ﻭﻟﺸﺪﺓ ﺭﻏﺒﺘﻪ ﻓﻲ
ﺍﻟﺘﻮﺑﺔ ﻧﺄﻯ ﺑﺼﺪﺭﻩ ﺟﻬﺔ ﺍﻷﺭﺽ ﺍﻟﻄﻴﺒﺔ ﻭﻫﻮ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﺰﻉ ﺍﻷﺧﻴﺮ ،
ﻓﺎﺧﺘﺼﻤﺖ ﻓﻴﻪ ﻣﻼﺋﻜﺔ ﺍﻟﺮﺣﻤﺔ ﻭﻣﻼﺋﻜﺔ ﺍﻟﻌﺬﺍﺏ ،ﻛﻞ ﻣﻨﻬﻢ ﻳﺮﻳﺪ
ﺃﻥ ﻳﻘﺒﺾ ﺭﻭﺣﻪ ، ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻣﻼﺋﻜﺔ ﺍﻟﻌﺬﺍﺏ : ﺇﻧﻪ ﻗﺘﻞ ﻣﺎﺋﺔ ﻧﻔﺲ
ﻭﻟﻢ ﻳﻌﻤﻞ ﺧﻴﺮﺍً ﺃﺑﺪﺍ ، ﻭﻗﺎﻟﺖ ﻣﻼﺋﻜﺔ ﺍﻟﺮﺣﻤﺔ ﺇﻧﻪ ﻗﺪ ﺗﺎﺏ ﻭﺃﻧﺎﺏ
ﻭﺟﺎﺀ ﻣﻘﺒﻼ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ، ﻓﺄﺭﺳﻞ ﺍﻟﻠﻪ ﻟﻬﻢ ﻣﻠﻜﺎ ﻓﻲ ﺻﻮﺭﺓ
ﺇﻧﺴﺎﻥ ، ﻭﺃﻣﺮﻫﻢ ﺃﻥ ﻳﻘﻴﺴﻮﺍ ﻣﺎ ﺑﻴﻦ ﺍﻷﺭﺿﻴﻦ ، ﺍﻷﺭﺽ ﺍﻟﺘﻲ ﺟﺎﺀ
ﻣﻨﻬﺎ ، ﻭﺍﻷﺭﺽ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﺎﺟﺮ ﺇﻟﻴﻬﺎ ، ﻓﺄﻣﺮ ﺍﻟﻠﻪ ﺃﺭﺽ ﺍﻟﺨﻴﺮ
ﻭﺍﻟﺼﻼﺡ ﺃﻥ ﺗﺘﻘﺎﺭﺏ ، ﻭﺃﺭﺽ ﺍﻟﺸﺮ ﻭﺍﻟﻔﺴﺎﺩ ﺃﻥ ﺗﺘﺒﺎﻋﺪ ، ﻓﻮﺟﺪﻭﻩ
ﺃﻗﺮﺏ ﺇﻟﻰ ﺃﺭﺽ ﺍﻟﺼﺎﻟﺤﻴﻦ ﺑﺸﺒﺮ ، ﻓﺘﻮﻟﺖ ﺃﻣﺮﻩ ﻣﻼﺋﻜﺔ ﺍﻟﺮﺣﻤﺔ ،
ﻭﻏﻔﺮ ﺍﻟﻠﻪ ﻟﻪ ﺫﻧﻮﺑﻪ ﻛﻠﻬﺎ .
ﺇﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻘﺼﺔ ﺗﻔﺘﺢ ﺃﺑﻮﺍﺏ ﺍﻷﻣﻞ ﻟﻜﻞ ﻋﺎﺹ ، ﻭﺗﺒﻴﻦ ﺳﻌﺔ ﺭﺣﻤﺔ
ﺍﻟﻠﻪ ، ﻭﻗﺒﻮﻟﻪ ﻟﺘﻮﺑﺔ ﺍﻟﺘﺎﺋﺒﻴﻦ ، ﻣﻬﻤﺎ ﻋﻈﻤﺖ ﺫﻧﻮﺑﻬﻢ ﻭﻛﺒﺮﺕ
ﺧﻄﺎﻳﺎﻫﻢ ﻛﻤﺎ ﻗﺎﻝ ﺍﻟﻠﻪ : } ﻗﻞ ﻳﺎ ﻋﺒﺎﺩﻱ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺃﺳﺮﻓﻮﺍ ﻋﻠﻰ
ﺃﻧﻔﺴﻬﻢ ﻻ ﺗﻘﻨﻄﻮﺍ ﻣﻦ ﺭﺣﻤﺔ ﺍﻟﻠﻪ ﺇﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﻳﻐﻔﺮ ﺍﻟﺬﻧﻮﺏ ﺟﻤﻴﻌﺎ
ﺇﻧﻪ ﻫﻮ ﺍﻟﻐﻔﻮﺭ ﺍﻟﺮﺣﻴﻢ { ‏( ﺍﻟﺰﻣﺮ 53 ‏) ، ﻭﻣﻦ ﻇﻦ ﺃﻥ ﺫﻧﺒﺎً ﻻ
ﻳﺘﺴﻊ ﻟﻌﻔﻮ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﻣﻐﻔﺮﺗﻪ ، ﻓﻘﺪ ﻇﻦ ﺑﺮﺑﻪ ﻇﻦ ﺍﻟﺴﻮﺀ ، ﻭﻛﻤﺎ
ﺃﻥ ﺍﻷﻣﻦ ﻣﻦ ﻣﻜﺮ ﺍﻟﻠﻪ ﻣﻦ ﺃﻋﻈﻢ ﺍﻟﺬﻧﻮﺏ ، ﻓﻜﺬﻟﻚ ﺍﻟﻘﻨﻮﻁ ﻣﻦ
ﺭﺣﻤﺔ ﺍﻟﻠﻪ ، ﻗﺎﻝ ﻋﺰ ﻭﺟﻞ : } ﻭﻻ ﺗﻴﺄﺳﻮﺍ ﻣﻦ ﺭﻭﺡ ﺍﻟﻠﻪ ﺇﻧﻪ ﻻ
ﻳﻴﺄﺱ ﻣﻦ ﺭﻭﺡ ﺍﻟﻠﻪ ﺇﻻ ﺍﻟﻘﻮﻡ ﺍﻟﻜﺎﻓﺮﻭﻥ { ‏( ﻳﻮﺳﻒ : 87 ‏) .
ﻭﻟﻜﻦ ﻻ ﺑﺪ ﻣﻦ ﺻﺪﻕ ﺍﻟﻨﻴﺔ ﻓﻲ ﻃﻠﺐ ﺍﻟﺘﻮﺑﺔ ، ﻭﺳﻠﻮﻙ ﺍﻟﻄﺮﻕ
ﻭﺍﻟﻮﺳﺎﺋﻞ ﺍﻟﻤﺆﺩﻳﺔ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻭﺍﻟﻤﻌﻴﻨﺔ ﻋﻠﻴﻬﺎ ، ﻭﻫﻮ ﻣﺎ ﻓﻌﻠﻪ ﻫﺬﺍ
ﺍﻟﺮﺟﻞ ، ﺣﻴﺚ ﺳﺄﻝ ﻭﺑﺤﺚ ﻭﻟﻢ ﻳﻴﺄﺱ ، ﻭﺿﺤﻰ ﺑﺴﻜﻨﻪ ﻭﻗﺮﻳﺘﻪ
ﻭﺃﺻﺤﺎﺑﻪ ﻓﻲ ﻣﻘﺎﺑﻞ ﺗﻮﺑﺘﻪ ، ﻭﺣﺘﻰ ﻭﻫﻮ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﺰﻉ ﺍﻷﺧﻴﺮ ﺣﻴﻦ
ﺣﻀﺮﻩ ﺍﻷﺟﻞ ﻧﺠﺪﻩ ﻳﻨﺄﻯ ﺑﺼﺪﺭﻩ ﺟﻬﺔ ﺍﻟﻘﺮﻳﺔ ﺍﻟﻤﺸﺎﺭ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻣﻤﺎ
ﻳﺪﻝ ﻋﻠﻰ ﺻﺪﻗﻪ ﻭﺇﺧﻼﺻﻪ .
ﻭﻫﺬﻩ ﺍﻟﻘﺼﺔ ﺗﺒﻴﻦ ﻛﺬﻟﻚ ﺃﻥ ﺍﺳﺘﻌﻈﺎﻡ ﺍﻟﺬﻧﺐ ﻫﻮ ﺃﻭﻝ ﻃﺮﻳﻖ
ﺍﻟﺘﻮﺑﺔ ، ﻭﻛﻠﻤﺎ ﺻَﻐُﺮَ ﺍﻟﺬﻧﺐ ﻓﻲ ﻋﻴﻦ ﺍﻟﻌﺒﺪ ﻛﻠﻤﺎ ﻋَﻈُﻢَ ﻋﻨﺪ
ﺍﻟﻠﻪ ، ﻳﻘﻮﻝ ﺍﺑﻦ ﻣﺴﻌﻮﺩ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ : " ﺇﻥ ﺍﻟﻤﺆﻣﻦ ﻳﺮﻯ
ﺫﻧﻮﺑﻪ ﻛﺄﻧﻪ ﻓﻲ ﺃﺻﻞ ﺟﺒﻞ ﻳﺨﺎﻑ ﺃﻥ ﻳﻘﻊ ﻋﻠﻴﻪ ، ﻭﺇﻥ ﺍﻟﻔﺎﺟﺮ
ﻳﺮﻯ ﺫﻧﻮﺑﻪ ﻛﺬﺑﺎﺏ ﻭﻗﻊ ﻋﻠﻰ ﺃﻧﻔﻪ ﻗﺎﻝ ﺑﻪ ﻫﻜﺬﺍ ﻓﻄﺎﺭ " ، ﻭﻫﺬﺍ
ﺍﻟﺮﺟﻞ ﻟﻮﻻ ﺃﻧﻪ ﻛﺎﻥ ﻣﻌﻈﻤﺎً ﻟﺬﻧﺒﻪ ، ﺧﺎﺋﻔﺎً ﻣﻦ ﻣﻌﺼﻴﺘﻪ ﻟﻤﺎ ﻛﺎﻥ
ﻣﻨﻪ ﻣﺎ ﻛﺎﻥ .
ﻭﺍﻟﻘﺼﺔ ﺃﻳﻀﺎً ﺗﻌﻄﻲ ﻣﻨﻬﺠﺎً ﻟﻠﺪﻋﺎﺓ ﺑﺄﻻ ﻳﻴﺄﺳﻮﺍ ﻣﻦ ﺇﻧﺴﺎﻥ ﻣﻬﻤﺎ
ﺑﻠﻐﺖ ﺫﻧﻮﺑﻪ ﻭﺧﻄﺎﻳﺎﻩ ، ﻓﻘﺪ ﺗﻜﻮﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﺑﺬﺭﺓ ﺧﻴﺮ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻪ
ﺗﺤﺘﺎﺝ ﺇﻟﻰ ﻣﻦ ﻳﻨﻤﻴﻬﺎ ﻭﻳﺴﻘﻴﻬﺎ ﺑﻤﺎﺀ ﺍﻟﺮﺟﺎﺀ ﻓﻲ ﻋﻔﻮ ﺍﻟﻠﻪ
ﻭﺍﻷﻣﻞ ﻓﻲ ﻣﻐﻔﺮﺗﻪ ، ﻭﺃﻻ ﻳﻜﺘﻔﻮﺍ ﺑﺤﺚِّ ﺍﻟﻌﺎﺻﻴﻦ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﻮﺑﺔ
ﻭﺍﻹﻧﺎﺑﺔ ، ﺑﻞ ﻳﻀﻴﻔﻮﺍ ﺇﻟﻰ ﺫﻟﻚ ﺗﻘﺪﻳﻢ ﺍﻟﺒﺪﺍﺋﻞ ﻭﺍﻷﻋﻤﺎﻝ ﺍﻟﺘﻲ
ﺗﺮﺳﺦ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﻓﻲ ﻗﻠﻮﺏ ﺍﻟﺘﺎﺋﺒﻴﻦ ، ﻭﺗﺠﻌﻠﻬﻢ ﻳﺜﺒﺘﻮﻥ ﻋﻠﻰ
ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ ، ﻭﻻ ﻳﺒﺎﻟﻮﻥ ﺑﻤﺎ ﻳﻌﺘﺮﺿﻬﻢ ﻓﻴﻪ ﺑﻌﺪ ﺫﻟﻚ .
ﻭﻓﻲ ﺍﻟﻘﺼﺔ ﺑﻴﺎﻥ ﻷﺛﺮ ﺍﻟﺒﻴﺌﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻌﻴﺶ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ
ﻭﺍﻷﺻﺤﺎﺏ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﺨﺎﻟﻄﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﺳﻠﻮﻛﻪ ﻭﺃﺧﻼﻗﻪ ، ﻭﺃﻥ ﻣﻦ ﺃﻋﻈﻢ
ﺍﻷﺳﺒﺎﺏ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻌﻴﻦ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﻮﺑﺔ ﻭﺍﻻﺳﺘﻘﺎﻣﺔ ﻫﺠﺮ ﻛﻞ
ﻣﺎ ﻳﺬﻛﺮ ﺑﺎﻟﻤﻌﺼﻴﺔ ﻭﻳﻐﺮﻱ ﺑﺎﻟﻌﻮﺩﺓ ﺇﻟﻴﻬﺎ ، ﻭﺻﺤﺒﺔ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺼﻼﺡ
ﻭﺍﻟﺨﻴﺮ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﺬﻛﺮﻭﻧﻪ ﺇﺫﺍ ﻧﺴﻲ ، ﻭﻳﻨﺒﻬﻮﻧﻪ ﺇﺫﺍ ﻏﻔﻞ ،
ﻭﻳﺮﺩﻋﻮﻧﻪ ﺇﺫﺍ ﺯﺍﻍ .
ﻭﻓﻴﻬﺎ ﻛﺬﻟﻚ ﺃﻫﻤﻴﺔ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﻭﺷﺮﻑ ﺃﻫﻠﻪ ، ﻭﻓﻀﻞ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﻋﻠﻰ
ﺍﻟﻌﺎﺑﺪ ﻓﺎﻟﻌﻠﻤﺎﺀ ﻫﻢ ﻭﺭﺛﺔ ﺍﻷﻧﺒﻴﺎﺀ ﺟﻌﻠﻬﻢ ﺍﻟﻠﻪ ﺑﻤﻨﺰﻟﺔ ﺍﻟﻨﺠﻮﻡ
ﻳُﻬﺘﺪﻯ ﺑﻬﺎ ﻓﻲ ﻇﻠﻤﺎﺕ ﺍﻟﺒﺮ ﻭﺍﻟﺒﺤﺮ.
منقول.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جزاك الله خيرا على تعليقك.