الأحد، 6 يناير 2019

[ تلبيس ابليس على أصحاب الحديث ]







قال الامام أبو الفرج ابن الجوزي [ ت ٥٩٧ ] رحمه الله تعالى :

( فأما في هذا الزمان ، فإن طُرق الحديث طالت ، و التصانيف فيه اتسعت ، فقلّ أن يمكن أحد أن يجمع بين الأمرين ، فترى المحدّث يكتب و يسمع خمسين سنة ، و يجمع الكتب ، ولا يدري ما فيها ، و لو وقعت له حادثة في صلاته ؛ لافتقر إلى بعض أحداث المتفقّهة الذين يتردّدون إليه لسماع الحديث منه .

و بهؤلاء تمكّن الطاعنون على المحدّثين ، فقالوا : زوامل أسفار ، لا يدرون ما معهم!

فإن أفلح أحدهم ، و نظر في حديثه ؛ فربما عمل بحديث منسوخ ، و ربّما فهم من الحديث ما يفهم العاميّ الجاهل ، و عمل بذلك ، و ليس بالمراد من الحديث .



قال الخطابي :

و كان بعض مشايخنا يروي الحديث أن النبي صلى الله عليه و سلم نهى عن الحِلَق قبل يوم الجمعة ؛ بإسكان اللاّم ، يعني : نهى عن الحَلْق!

قال :

و أخبرني أنه بقي أربعين سنة لا يحلق رأسه قبل الصلاة . فقلت له : إنما هو الحِلَق ، جمع حلَقة ، و إنما كره الاجتماع قبل الصلاة للعلم أو المذاكرة ، و أمر أن يُشتغل بالصلاة ، و يُنصت للخطبة .

فقال : فرّجت عليّ . و كان من الصالحين .



و قد رأينا في زماننا من يجمع الكتب ، و يكثر السماع ، ولا يفهم ما حصّل!

و منهم من لا يحفظ القران ، ولا يعرف أركان الصلاة ، فتشاغل هؤلاء بفروض الكفاية عن فروض الأعيان ، و إيثار ما ليس بمهم على المهم من تلبيس ابليس ) .



و قال رحمه الله :

( و من تلبيس ابليس على أصحاب الحديث قدح بعضهم في بعض طلبا للتشفّي ، و يخرجون ذلك مخرج الجرح و التعديل الذي استعمله قدماء هذه الأمة للذّب عن الشرع ، و الله أعلم بالمقاصد .

و دليل مقصد خُبث هؤلاء سكوتهم عمن أخذوا عنه ، و ما كان القدماء هكذا ، فقد كان علي بن المديني يحدّث عن أبيه ، و كان ضعيفا ، ثم يقول : و في حديث الشيخ ما فيه ) .



ثم قال رحمه الله :

( و أما غيبة العلماء ؛ فمنبعها من خدعة النفس على إبداء النصيحة ، و تأويل ما لا يصح من الخبر ، و لو صح ؛ ما كان عوناً على الغيبة ، و هو قوله :

أترغبون عن ذكره؟ اذكروا ما فيه ؛ ليحذر الناس! ) .



و قال :

( و أما منبع الغيبة من القرّاء و النّساك ؛ فمن طريق التّعجب يبدي عُوار الأخ ، ثم يتصنّع بالدعاء في ظهر الغيب ، فيتمكّن من لحم أخيه المسلم ، ثم يتزيّن بالدعاء له .



و أما منبع الغيبة في الرؤساء و الأساتذة ؛ فمن طريق إبداء الرحمة و الشفقة ، حتى يقول : مسكين فلان ؛ ابتلي بكذا ، و امتحن بكذا ، نعوذ بالله من الخذلان ، فيتصنّع إبداء الرحمة و الشفقة على أخيه ، ثم يتصنّع بالدعاء له عند إخوانه ، و يقول : إنما أبديت لكم ذاك لتُكثروا دعاءكم له .



و نعوذ بالله من الغيبة تعريضاً أو تصريحاً ، فاتّق الغيبة ؛ فقد نطق القرآن بكراهتها [الكراهة التحريمية المغلّظة] ، فقال عز و جل :

{{ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ }} .

و صحّ عن النبي صلى الله عليه و سلم في ذلك أخبار كثيرة ) .



[[ تلبيس ابليس ، لابن الجوزي ، ( ص ١٠٠ ، ١٠١ ، ١٠٢ ، ١٠٣ ، ١٠٤ ، ١٠٥ ) ]]

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جزاك الله خيرا على تعليقك.