السبت، 6 أكتوبر 2018

النَّاسُ مَعَادِنُ كَمَعَادِنِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ - شيخ الإسلام ابن تيمية

قَـالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :
" « النَّاسُ مَعَادِنُ كَمَعَادِنِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الْإِسْلَامِ إِذَا فَقِهُوا » " .
• - قال شيخ الإسلام ابن تيمية
- رحمه الله تبارك وتعالى - :
• - فَالْأَرْضُ إِذَا كَانَ فِيهَا مَعْدِنُ ذَهَبٍ وَمَعْدِنُ فِضَّةٍ ، كَانَ مَعْدِنُ الذَّهَبِ خَيْرًا ، لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ وُجُودِ أَفْضَلِ الْأَمْرَيْنِ فِيهِ ، فَإِنْ قُدِّرَ أَنَّهُ تَعَطَّلَ وَلَمْ يُخْرِجْ ذَهَبًا ، كَانَ مَا يُخْرِجُ الْفِضَّةَ أَفْضَلَ مِنْهُ .
• - فَالْعَرَبُ فِي الْأَجْنَاسِ ، وَقُرَيْشٌ فِيهَا ثُمَّ هَاشِمٌ فِي قُرَيْشٍ مَظِنَّةَ أَنْ يَكُونَ فِيهِمْ مِنَ الْخَيْرِ أَعْظَمُ مِمَّا يُوجَدُ فِي غَيْرِهِمْ ، وَلِهَذَا كَانَ فِي بَنِي هَاشِمٍ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي لَا يُمَاثِلُهُ أَحَدٌ فِي قُرَيْشٍ ، فَضْلًا عَنْ وُجُودِهِ فِي سَائِرِ الْعَرَبِ وَغَيْرِ الْعَرَبِ ، وَكَانَ فِي قُرَيْشٍ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ وَسَائِرُ الْعَشَرَةِ وَغَيْرُهُمْ مِمَّنْ لَا يُوجَدُ لَهُ نَظِيرٌ فِي الْعَرَبِ وَغَيْرِ الْعَرَبِ، وَكَانَ فِي الْعَرَبِ مِنَ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ مَنْ لَا يُوجَدُ لَهُ نَظِيرٌ فِي سَائِرِ الْأَجْنَاسِ .
• - فَلَا بُدَّ أَنْ يُوجَدَ فِي الصِّنْفِ الْأَفْضَلِ مَا لَا يُوجَدُ مِثْلُهُ فِي الْمَفْضُولِ ، وَقَدْ يُوجَدُ فِي الْمَفْضُولِ مَا يَكُونُ أَفْضَلَ مِنْ كَثِيرٍ مِمَّا يُوجَدُ فِي الْفَاضِلِ ، كَمَا أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ الَّذِينَ لَيْسُوا مِنَ الْعَرَبِ أَفْضَلُ مِنَ الْعَرَبِ الَّذِينَ لَيْسُوا بِأَنْبِيَاءَ ، وَالْمُؤْمِنُونَ الْمُتَّقُونَ مِنْ غَيْرِ قُرَيْشٍ أَفْضَلُ مِنَ الْقُرَشِيِّينَ الَّذِينَ لَيْسُوا مِثْلَهُمْ فِي الْإِيمَانِ وَالتَّقْوَى ، وَكَذَلِكَ الْمُؤْمِنُونَ الْمُتَّقُونَ مِنْ قُرَيْشٍ وَغَيْرِهِمْ أَفْضَلُ مِمَّنْ لَيْسَ مِثْلَهُمْ فِي الْإِيمَانِ وَالتَّقْوَى مِنْ بَنِي هَاشِمٍ .
• - فَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ الْمُعْتَبَرُ فِي هَذَا الْبَابِ دُونَ مَنْ أَلْغَى فَضِيلَةَ الْأَنْسَابِ مُطْلَقًا ، وَدُونَ مَنْ ظَنَّ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُفَضِّلُ الْإِنْسَانَ بِنَسَبِهِ عَلَى مَنْ هُوَ مِثْلُهُ فِي الْإِيمَانِ وَالتَّقْوَى ، فَضْلًا عَمَّنْ هُوَ أَعْظَمُ إِيمَانًا وَتَقْوَى ، فَكِلَا الْقَوْلَيْنِ خَطَأٌ ، وَهُمَا مُتَقَابِلَانِ ، بَلِ الْفَضِيلَةُ بِالنَّسَبِ فَضِيلَةُ جُمْلَةٍ ، وَفَضِيلَةٌ لِأَجْلِ الْمَظِنَّةِ وَالسَّبَبِ ، وَالْفَضِيلَةُ بِالْإِيمَانِ وَالتَّقْوَى فَضِيلَةُ تَعْيِينٍ وَتَحْقِيقٍ وَغَايَةٍ ؛ فَالْأَوَّلُ يُفَضَّلُ بِهِ لِأَنَّهُ سَبَبٌ وَعَلَامَةٌ ، وَلِأَنَّ الْجُمْلَةَ أَفْضَلُ مِنْ جُمْلَةٍ تُسَاوِيهَا فِي الْعَدَدِ ، وَالثَّانِي : يُفَضَّلُ بِهِ لِأَنَّهُ الْحَقِيقَةُ وَالْغَايَةُ ، وَلِأَنَّ كُلَّ مَنْ كَانَ أَتْقَى لِلَّهِ كَانَ أَكْرَمَ عِنْدَ اللَّهِ ، وَالثَّوَابُ مِنَ اللَّهِ يَقَعُ عَلَى هَذَا ، لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ قَدْ وُجِدَتْ ، فَلَمْ يُعَلَّقِ الْحُكْمُ بِالْمَظِنَّةِ ، وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَعْلَمُ الْأَشْيَاءَ عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ ، فَلَا يَسْتَدِلُّ بِالْأَسْبَابِ وَالْعَلَامَاتِ .
📜【 منهاج السنة النبوية【 ٦٠٢/٤-٦٠٤ 】

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جزاك الله خيرا على تعليقك.