الأربعاء، 18 يوليو 2012

حديث الحياء من الإيمان، أن رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏مر على رجل من ‏ ‏الأنصار

‏حدثنا ‏ ‏عبد الله بن يوسف ‏ ‏قال أخبرنا ‏ ‏مالك بن أنس ‏ ‏عن ‏ ‏ابن شهاب ‏ ‏عن ‏ ‏سالم بن عبد الله ‏ ‏عن ‏ ‏أبيه ‏
‏أن رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏مر على رجل من ‏ ‏الأنصار ‏ ‏وهو يعظ أخاه في الحياء فقال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏دعه فإن الحياء من الإيمان ‏


فتح الباري بشرح صحيح البخاري

‏قوله : ( حدثنا عبد الله بن يوسف ) ‏
‏هو التنيسي نزيل دمشق , ورجال الإسناد سواه من أهل المدينة . ‏

‏قوله : ( أخبرنا ) ‏
‏وللأصيلي حدثنا مالك , ولكريمة بن أنس , والحديث في الموطأ . ‏

‏قوله : ( عن أبيه ) ‏
‏هو عبد الله بن عمر بن الخطاب . ‏

‏قوله : ( مر على رجل ) ‏
‏لمسلم من طريق معمر " مر برجل " ومر بمعنى اجتاز يعدى بعلى وبالباء , ولم أعرف اسم هذين الرجلين الواعظ وأخيه . وقوله " يعظ " أي ينصح أو يخوف أو يذكر , كذا شرحوه , والأولى أن يشرح بما جاء عند المصنف في الأدب من طريق عبد العزيز بن أبي سلمة عن ابن شهاب ولفظه " يعاتب أخاه في الحياء " يقول : إنك لتستحي , حتى كأنه يقول : قد أضر بك . انتهى . ويحتمل أن يكون جمع له العتاب والوعظ فذكر بعض الرواة ما لم يذكره الآخر , لكن المخرج متحد , فالظاهر أنه من تصرف الراوي بحسب ما اعتقد أن كل لفظ منهما يقوم مقام الآخر , و " في " سببية فكأن الرجل كان كثير الحياء فكان ذلك يمنعه من استيفاء حقوقه , فعاتبه أخوه على ذلك , فقال له النبي صلى الله عليه وسلم " دعه " أي : اتركه على هذا الخلق السني , ثم زاده في ذلك ترغيبا لحكمه بأنه من الإيمان , وإذا كان الحياء يمنع صاحبه من استيفاء حق نفسه جر له ذلك تحصيل أجر ذلك الحق , لا سيما إذا كان المتروك له مستحقا . وقال ابن قتيبة : معناه أن الحياء يمنع صاحبه من ارتكاب المعاصي كما يمنع الإيمان , فسمي إيمانا كما يسمى الشيء باسم ما قام مقامه . وحاصله أن إطلاق كونه من الإيمان مجاز , والظاهر أن الناهي ما كان يعرف أن الحياء من مكملات الإيمان , فلهذا وقع التأكيد , وقد يكون التأكيد من جهة أن القضية في نفسها مما يهتم به وإن لم يكن هناك منكر . قال الراغب : الحياء انقباض النفس عن القبيح , وهو من خصائص الإنسان ليرتدع عن ارتكاب كل ما يشتهي فلا يكون كالبهيمة . وهو مركب من جبن وعفة فلذلك لا يكون المستحي فاسقا , وقلما يكون الشجاع مستحيا , وقد يكون لمطلق الانقباض كما في بعض الصبيان . انتهى ملخصا . ‏
‏وقال غيره : هو انقباض النفس خشية ارتكاب ما يكره , أعم من أن يكون شرعيا أو عقليا أو عرفيا , ومقابل الأول فاسق والثاني مجنون والثالث أبله . قال : وقوله صلى الله عليه وسلم " الحياء شعبة من الإيمان أي : أثر من آثار الإيمان , وقال الحليمي : حقيقة الحياء خوف الذم بنسبة الشر إليه , وقال غيره : إن كان في محرم فهو واجب , وإن كان في مكروه فهو مندوب , وإن كان في مباح فهو العرفي , وهو المراد بقوله " الحياء لا يأتي إلا بخير " . ويجمع كل ذلك أن المباح إنما هو ما يقع على وفق الشرع إثباتا ونفيا , وحكي عن بعض السلف : رأيت المعاصي مذلة , فتركتها مروءة , فصارت ديانة . وقد يتولد الحياء من الله تعالى من التقلب في نعمه فيستحي العاقل أن يستعين بها على معصيته , وقد قال بعض السلف : خف الله على قدر قدرته عليك . واستحي منه على قدر قربه منك . والله أعلم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جزاك الله خيرا على تعليقك.