يتجاوز كثير من الناس الأدب في حديثهم مع الآخرين ،
ولا يراعون في ذلك خلقا ولا حياء ،
وسببه الجهل وقلة الاهتمام بالتحلي بمكارم الأخلاق ومحاسن الشيم ،
ومن ذلك ما يقع فيه الكثيرون من التدخل فيما لا يعنيهم ، والسؤال عن أمور الناس الخاصة .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
( مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ )
رواه الترمذي (2318)
وصححه الألباني .
يقول ابن رجب في "جامع العلوم والحكم" (1/114-116) :
" وهذا الحديث أصل عظيم من أصول الأدب ،
وقد حكى الإمام أبو عمرو بن الصلاح عن أبي محمد بن أبي زيد إمام المالكية في زمانه أنه قال :
جماع آداب الخير وأزِمَّتُه تتفرع من أربعة أحاديث :
قول النبي صلى الله عليه وسلم
( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت
وقوله صلى الله عليه وسلم :
( من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه )
وقوله صلى الله عليه وسلم للذي اختصر له في الوصية :
( لا تغضب )
وقوله صلى الله عليه وسلم :
( المؤمن يحب لأخيه ما يحب لنفسه )
ومعنى هذا الحديث :
أن مَنْ حسُنَ إسلامه تَركَ ما لا يعنيه من قول وفعل ،
واقتصر على ما يعنيه من الأقوال والأفعال ،
ومعنى يعنيه أن تتعلق عنايته به ،
وأكثر ما يراد بترك ما لا يعني حفظ اللسان من لغو الكلام .
وفي المسند [ 1/201 ] من حديث الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( إن من حسن إسلام المرء قلة الكلام فيما لا يعنيه )
[ قال الأرناؤوط : حسن لشواهده ] ...
قال عمر بن عبدالعزيز رحمه الله :
" من عد كلامه من عمله قل كلامه إلا فيما يعنيه " ،
وهو كما قال ،
فإن كثيرا من الناس لا يعد كلامه من عمله
فيجازف فيه ولا يتحرى .
وقد نفى الله الخير عن كثير مما يتناجى به الناس بينهم ،
فقال :
( لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ ) النساء/114
وخرج الترمذي من حديث أنس رضي الله عنه قال :
توفى رجل من أصحابه يعني النبي صلى الله عليه وسلم ،
فقال رجل :
أبشر بالجنة .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
أو لا تدري !؟
فلعله تكلم بما لا يعنيه ،
أو بخل بما لا يغنيه )
صححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (3103) .
وقد روي معنى هذا الحديث من وجوه متعددة عن النبي صلى الله عليه وسلم وفي بعضها أنه قتل شهيدا " انتهى باختصار .
ويقول المناوي في "فيض القدير" (7/3) :
" يحتمل أن المراد كثرة سؤال الإنسان عن حاله وتفاصيل أمره ،
فيدخل ذلك في سؤاله عما لا يعنيه ،
ويتضمن ذلك حصول الحرج في حق المسئول ،
فإنه قد لا يؤثر إخباره بأحواله ،
فإن أخبره شق عليه ،
وإن كذبه في الإخبار أو تكلف التعريض لحقته المشقة ،
وإن أهمل جوابه ارتكب سوء الأدب " انتهى .
وجاء من الآثار عن بعض السلف ما يدل على هذا الأدب :
قال عمرو بن قيس الملائي :
( مر رجل بلقمان والناس عنده فقال له :
ألست عبد بني فلان ؟
قال : بلى .
قال : الذي كنت ترعى عند جبل كذا وكذا ؟
قال : بلى .
فقال : فما بلغ بك ما أرى ؟
قال : صدق الحديث ،
وطول السكوت عما لا يعنيني )
وقال مُوَرِّق العِجْلي :
أمرٌ أنا في طلبه منذ كذا وكذا سنة ، لم أقدر عليه ،
ولست بتارك طلبه أبدا ،
قالوا : وما هو ؟
قال : الكف عما لا يعنيني .
رواهما ابن أبي الدنيا
وروى أبو عبيدة عن الحسن البصري قال :
من علامة إعراض الله تعالى عن العبد أن يجعل شغله فيما لا يعنيه ،
خذلانا من الله عز وجل .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
جزاك الله خيرا على تعليقك.