ﻳﺤﻴﻂ ﺑﺎﺑﻦ ﺁﺩﻡ ﺃﻋﺪﺍﺀ ﻛﺜﻴﺮﻭﻥ ﻳﺤﺴِّﻨﻮﻥ ﻟﻪ ﺍﻟﻘﺒﻴﺢ ، ﻭﻳﻘﺒﺤﻮﻥ ﻟﻪ
ﺍﻟﺤﺴﻦ ، ﻭﻳﺪﻋﻮﻧﻪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺸﻬﻮﺍﺕ ، ﻭﻳﻘﻮﺩﻭﻧﻪ ﺇﻟﻰ ﻣﻬﺎﻭﻱ
ﺍﻟﺮﺩﻯ ، ﻟﻴﻨﺤﺪﺭ ﻓﻲ ﻣﻮﺑﻘﺎﺕ ﺍﻟﺬﻧﻮﺏ ﻭﺍﻟﻤﻌﺎﺻﻲ ، ﻭﻣﻊ ﻭﻗﻮﻋﻪ
ﻓﻲ ﺍﻟﺬﻧﺐ ، ﻭﻭﻟﻮﻏﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﺨﻄﺌﻴﺔ ، ﻓﻘﺪ ﻳﺼﺎﺣﺐ ﺫﻟﻚ ﺿﻴﻖ
ﻭﺣﺮﺝ ، ﻭﺗﻮﺻﺪ ﺃﻣﺎﻣﻪ ﺃﺑﻮﺍﺏ ﺍﻷﻣﻞ ، ﻭﻳﺪﺧﻞ ﻓﻲ ﺩﺍﺋﺮﺓ ﺍﻟﻴﺄﺱ
ﻣﻦ ﺭﻭﺡ ﺍﻟﻠﻪ ، ﻭﺍﻟﻘﻨﻮﻁ ﻣﻦ ﺭﺣﻤﺔ ﺍﻟﻠﻪ ، ﻭﻟﻜﻦ ﺍﻟﻠﻪ ﺑﻠﻄﻔﻪ
ﻭﺭﺣﻤﺘﻪ ﻓﺘﺢ ﻟﻌﺒﺎﺩﻩ ﺃﺑﻮﺍﺏ ﺍﻟﺘﻮﺑﺔ ، ﻭﺟﻌﻞ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻼﺫﺍً ﻣﻜﻴﻨﺎً ،
ﻭﻣﻠﺠﺄ ﺣﺼﻴﻨﺎً ، ﻳَﻠِﺠُﻪ ﺍﻟﻤﺬﻧﺐ ﻣﻌﺘﺮﻓﺎ ﺑﺬﻧﺒﻪ ، ﻣﺆﻣﻼً ﻓﻲ ﺭﺑﻪ ،
ﻧﺎﺩﻣﺎً ﻋﻠﻰ ﻓﻌﻠﻪ ، ﻏﻴﺮ ﻣﺼﺮٍ ﻋﻠﻰ ﺧﻄﻴﺌﺘﻪ ، ﻟﻴﻜﻔﺮ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ
ﺳﻴﺌﺎﺗﻪ ، ﻭﻳﺮﻓﻊ ﻣﻦ ﺩﺭﺟﺎﺗﻪ .
ﻭﻗﺪ ﻗﺺ ﺍﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻗﺼﺔ ﺭﺟﻞ ﺃﺳﺮﻑ ﻋﻠﻰ
ﻧﻔﺴﻪ ﺛﻢ ﺗﺎﺏ ﻭﺃﻧﺎﺏ ﻓﻘﺒﻞ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻮﺑﺘﻪ ، ﻭﺍﻟﻘﺼﺔ ﺭﻭﺍﻫﺎ ﺍﻹﻣﺎﻡ
ﻣﺴﻠﻢ ﻓﻲ ﺻﺤﻴﺤﻪ ﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﺳﻌﻴﺪ ﺍﻟﺨﺪﺭﻱ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ ﺃﻥ
ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻗﺎﻝ : ( ﻛﺎﻥ ﻓﻴﻤﻦ ﻛﺎﻥ
ﻗﺒﻠﻜﻢ ﺭﺟﻞ ﻗﺘﻞ ﺗﺴﻌﺔ ﻭﺗﺴﻌﻴﻦ ﻧﻔﺴﺎ ، ﻓﺴﺄﻝ ﻋﻦ ﺃﻋﻠﻢ ﺃﻫﻞ
ﺍﻷﺭﺽ ، ﻓﺪُﻝَّ ﻋﻠﻰ ﺭﺍﻫﺐ ، ﻓﺄﺗﺎﻩ ﻓﻘﺎﻝ : ﺇﻧﻪ ﻗﺘﻞ ﺗﺴﻌﺔ
ﻭﺗﺴﻌﻴﻦ ﻧﻔﺴﺎ ، ﻓﻬﻞ ﻟﻪ ﻣﻦ ﺗﻮﺑﺔ ، ﻓﻘﺎﻝ : ﻻ ، ﻓﻘﺘﻠﻪ ﻓﻜﻤﻞ
ﺑﻪ ﻣﺎﺋﺔ ، ﺛﻢ ﺳﺄﻝ ﻋﻦ ﺃﻋﻠﻢ ﺃﻫﻞ ﺍﻷﺭﺽ ، ﻓﺪُﻝَّ ﻋﻠﻰ ﺭﺟﻞ
ﻋﺎﻟﻢ ، ﻓﻘﺎﻝ : ﺇﻧﻪ ﻗﺘﻞ ﻣﺎﺋﺔ ﻧﻔﺲ ، ﻓﻬﻞ ﻟﻪ ﻣﻦ ﺗﻮﺑﺔ،
ﻓﻘﺎﻝ : ﻧﻌﻢ ، ﻭﻣﻦ ﻳﺤﻮﻝ ﺑﻴﻨﻪ ﻭﺑﻴﻦ ﺍﻟﺘﻮﺑﺔ ، ﺍﻧﻄﻠﻖ ﺇﻟﻰ ﺃﺭﺽ
ﻛﺬﺍ ﻭﻛﺬﺍ ، ﻓﺈﻥ ﺑﻬﺎ ﺃﻧﺎﺳﺎ ﻳﻌﺒﺪﻭﻥ ﺍﻟﻠﻪ ، ﻓﺎﻋﺒﺪ ﺍﻟﻠﻪ ﻣﻌﻬﻢ ، ﻭﻻ
ﺗﺮﺟﻊ ﺇﻟﻰ ﺃﺭﺿﻚ ، ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺃﺭﺽ ﺳﻮﺀ ، ﻓﺎﻧﻄﻠﻖ ﺣﺘﻰ ﺇﺫﺍ ﻧﺼَﻒَ
ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ ﺃﺗﺎﻩ ﺍﻟﻤﻮﺕ ، ﻓﺎﺧﺘﺼﻤﺖ ﻓﻴﻪ ﻣﻼﺋﻜﺔ ﺍﻟﺮﺣﻤﺔ ﻭﻣﻼﺋﻜﺔ
ﺍﻟﻌﺬﺍﺏ ، ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻣﻼﺋﻜﺔ ﺍﻟﺮﺣﻤﺔ : ﺟﺎﺀ ﺗﺎﺋﺒﺎ ﻣﻘﺒﻼ ﺑﻘﻠﺒﻪ ﺇﻟﻰ
ﺍﻟﻠﻪ ، ﻭﻗﺎﻟﺖ ﻣﻼﺋﻜﺔ ﺍﻟﻌﺬﺍﺏ : ﺇﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﻌﻤﻞ ﺧﻴﺮﺍ ﻗﻂ ، ﻓﺄﺗﺎﻫﻢ
ﻣﻠَﻚٌ ﻓﻲ ﺻﻮﺭﺓ ﺁﺩﻣﻲ ، ﻓﺠﻌﻠﻮﻩ ﺑﻴﻨﻬﻢ ، ﻓﻘﺎﻝ : ﻗﻴﺴﻮﺍ ﻣﺎ ﺑﻴﻦ
ﺍﻷﺭﺿﻴﻦ ، ﻓﺈﻟﻰ ﺃﻳﺘﻬﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﺃﺩﻧﻰ ﻓﻬﻮ ﻟﻪ ، ﻓﻘﺎﺳﻮﻩ ﻓﻮﺟﺪﻭﻩ
ﺃﺩﻧﻰ ﺇﻟﻰ ﺍﻷﺭﺽ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﺭﺍﺩ ، ﻓﻘﺒﻀﺘﻪ ﻣﻼﺋﻜﺔ ﺍﻟﺮﺣﻤﺔ . ﻗﺎﻝ
ﻗﺘﺎﺩﺓ : ﻓﻘﺎﻝ ﺍﻟﺤﺴﻦ : ﺫُﻛِﺮَ ﻟﻨﺎ ﺃﻧﻪ ﻟﻤﺎ ﺃﺗﺎﻩ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﻧﺄﻯ ﺑﺼﺪﺭﻩ
) .
ﻫﺬﻩ ﻗﺼﺔ ﺭﺟﻞ ﺃﺳﺮﻑ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﻪ ﺑﺎﺭﺗﻜﺎﺏ ﺍﻟﺬﻧﻮﺏ ﻭﺍﻟﻤﻮﺑﻘﺎﺕ ،
ﺣﺘﻰ ﻗﺘﻞ ﻣﺎﺋﺔ ﻧﻔﺲ ، ﻭﺃﻱ ﺫﻧﺐ ﺑﻌﺪ ﺍﻟﺸﺮﻙ ﺃﻋﻈﻢ ﻣﻦ ﻗﺘﻞ
ﺍﻟﻨﻔﺲ ﺑﻐﻴﺮ ﺣﻖ ؟ ! ، ﻭﻣﻊ ﻛﻞ ﺍﻟﺬﻱ ﺍﻗﺘﺮﻓﻪ ﺇﻻ ﺃﻧﻪ ﻛﺎﻥ ﻻ
ﻳﺰﺍﻝ ﻓﻲ ﻗﻠﺒﻪ ﺑﻘﻴﺔ ﻣﻦ ﺧﻴﺮ ، ﻭﺑﺼﻴﺺ ﻣﻦ ﺃﻣﻞ ﻳﺪﻋﻮﻩ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ
ﻳﻄﻠﺐ ﻋﻔﻮ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﻣﻐﻔﺮﺗﻪ ، ﻓﺨﺮﺝ ﻣﻦ ﺑﻴﺘﻪ ﺑﺎﺣﺜﺎً ﻋﻦ ﻋﺎﻟﻢ
ﻳﻔﺘﻴﻪ ، ﻭﻳﻔﺘﺢ ﻟﻪ ﺃﺑﻮﺍﺏ ﺍﻟﺮﺟﺎﺀ ﻭﺍﻟﺘﻮﺑﺔ ، ﻭﻣﻦ ﺷﺪﺓ ﺣﺮﺻﻪ
ﻭﺗﺤﺮﻳﻪ ﻟﻢ ﻳﺴﺄﻝ ﻋﻦ ﺃﻱ ﻋﺎﻟﻢ ، ﺑﻞ ﺳﺄﻝ ﻋﻦ ﺃﻋﻠﻢ ﺃﻫﻞ ﺍﻷﺭﺽ
ﻟﻴﻜﻮﻥ ﻋﻠﻰ ﻳﻘﻴﻦ ﻣﻦ ﺃﻣﺮﻩ ،
ﻓﺪُﻝَّ ﻋﻠﻰ ﺭﺟﻞ ﺭﺍﻫﺐ ﻭﺍﻟﻤﻌﺮﻭﻑ ﻋﻦ ﺍﻟﺮﻫﺒﺎﻥ ﻛﺜﺮﺓ ﺍﻟﻌﺒﺎﺩﺓ
ﻭﻗﻠﺔ ﺍﻟﻌﻠﻢ ، ﻓﺄﺧﺒﺮﻩ ﺑﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﻣﻨﻪ ، ﻓﺎﺳﺘﻌﻈﻢ ﺍﻟﺮﺍﻫﺐ ﺫﻧﺒﻪ ،
ﻭﻗﻨَّﻄﻪ ﻣﻦ ﺭﺣﻤﺔ ﺍﻟﻠﻪ ، ﻭﺍﺯﺩﺍﺩ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﻏﻴّﺎً ﺇﻟﻰ ﻏﻴِّﻪ ﺑﻌﺪ ﺃﻥ
ﺃُﺧْﺒِﺮ ﺃﻥ ﺍﻟﺘﻮﺑﺔ ﻣﺤﺠﻮﺑﺔ ﻋﻨﻪ ، ﻓﻘﺘﻞ ﺍﻟﺮﺍﻫﺐ ﻟﻴﺘﻢ ﺑﻪ ﺍﻟﻤﺎﺋﺔ .
ﻭﻣﻊ ﺫﻟﻚ ﻟﻢ ﻳﻴﺄﺱ ﻭﻟﻢ ﻳﻘﺘﻨﻊ ﺑﻤﺎ ﻗﺎﻝ ﺍﻟﺮﺍﻫﺐ ، ﻓﺴﺄﻝ ﻣﺮﺓ
ﺃﺧﺮﻯ ﻋﻦ ﺃﻋﻠﻢ ﺃﻫﻞ ﺍﻷﺭﺽ ، ﻭﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺮﺓ ﺩُﻝَّ ﻋﻠﻰ ﺭﺟﻞ
ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻋﺎﻟﻤﺎً ﻓﺤﺴﺐ ﻭﻟﻜﻨﻪ ﻛﺎﻥ ﻣﺮﺑﻴﺎً ﻭﻣﻮﺟﻬﺎً ﺧﺒﻴﺮﺍً ﺑﺎﻟﻨﻔﻮﺱ
ﻭﺃﺣﻮﺍﻟﻬﺎ ، ﻓﺴﺄﻟﻪ ﻣﺎ ﺇﺫﺍ ﻛﺎﻧﺖ ﻟﻪ ﺗﻮﺑﺔ ﺑﻌﺪ ﻛﻞ ﺍﻟﺬﻱ ﻓﻌﻠﻪ ،
ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻪ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﻣﺴﺘﻨﻜﺮﺍ ﻭﻣﺴﺘﻐﺮﺑﺎ : ﻭﻣﻦ ﻳﺤﻮﻝ ﺑﻴﻨﻚ ﻭﺑﻴﻦ
ﺍﻟﺘﻮﺑﺔ ؟ ! ، ﻭﻛﺄﻧﻪ ﻳﻘﻮﻝ : ﺇﻧﻬﺎ ﻣﺴﺄﻟﺔ ﺑﺪﻫﻴﺔ ﻻ ﺗﺤﺘﺎﺝ ﺇﻟﻰ
ﻛﺜﻴﺮ ﺗﻔﻜﻴﺮ ﺃﻭﺳﺆﺍﻝ ، ﻓﺒﺎﺏ ﺍﻟﺘﻮﺑﺔ ﻣﻔﺘﻮﺡ ، ﻭﺍﻟﻠﻪ ﻋﺰ ﻭﺟﻞ ﻻ
ﻳﺘﻌﺎﻇﻤﻪ ﺫﻧﺐ ﺃﻥ ﻳﻐﻔﺮﻩ ، ﻭﺭﺣﻤﺘﻪ ﻭﺳﻌﺖ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ ، ﻭﻛﺎﻥ ﻫﺬﺍ
ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﻣﺮﺑﻴﺎ ﺣﻜﻴﻤﺎ ، ﺣﻴﺚ ﻟﻢ ﻳﻜﺘﻒ ﺑﺈﺟﺎﺑﺘﻪ ﻋﻦ ﺳﺆﺍﻟﻪ ﻭﺑﻴﺎﻥ
ﺃﻥ ﺑﺎﺏ ﺍﻟﺘﻮﺑﺔ ﻣﻔﺘﻮﺡ ، ﺑﻞ ﺩﻟﻪ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ ﺍﻟﻤﻮﺻﻞ ﺇﻟﻴﻬﺎ ،
ﻭﻫﻮ ﺃﻥ ﻳﻐﻴﺮ ﻣﻨﻬﺞ ﺣﻴﺎﺗﻪ ، ﻭﻳﻔﺎﺭﻕ ﺍﻟﺒﻴﺌﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺬﻛﺮﻩ
ﺑﺎﻟﻤﻌﺼﻴﺔ ﻭﺗﺤﺜﻪ ﻋﻠﻴﻬﺎ ، ﻭﻳﺘﺮﻙ ﺭﻓﻘﺔ ﺍﻟﺴﻮﺀ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻌﻴﻨﻪ ﻋﻠﻰ
ﺍﻟﻔﺴﺎﺩ ، ﻭﺗﺰﻳﻦ ﻟﻪ ﺍﻟﺸﺮ ، ﻭﻳﻬﺎﺟﺮ ﺇﻟﻰ ﺃﺭﺽ ﺃﺧﺮﻯ ﻓﻴﻬﺎ
ﺃﻗﻮﺍﻡ ﺻﺎﻟﺤﻮﻥ ﻳﻌﺒﺪﻭﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ، ﻭﻛﺎﻥ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﺻﺎﺩﻗﺎ ﻓﻲ
ﻃﻠﺐ ﺍﻟﺘﻮﺑﺔ ﻓﻠﻢ ﻳﺘﺮﺩﺩ ﻟﺤﻈﺔ ، ﻭﺧﺮﺝ ﻗﺎﺻﺪﺍ ﺗﻠﻚ ﺍﻷﺭﺽ ، ﻭﻟﻤﺎ
ﻭﺻﻞ ﺇﻟﻰ ﻣﻨﺘﺼﻒ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ ﺣﻀﺮﻩ ﺃﺟﻠﻪ ، ﻭﻟﺸﺪﺓ ﺭﻏﺒﺘﻪ ﻓﻲ
ﺍﻟﺘﻮﺑﺔ ﻧﺄﻯ ﺑﺼﺪﺭﻩ ﺟﻬﺔ ﺍﻷﺭﺽ ﺍﻟﻄﻴﺒﺔ ﻭﻫﻮ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﺰﻉ ﺍﻷﺧﻴﺮ ،
ﻓﺎﺧﺘﺼﻤﺖ ﻓﻴﻪ ﻣﻼﺋﻜﺔ ﺍﻟﺮﺣﻤﺔ ﻭﻣﻼﺋﻜﺔ ﺍﻟﻌﺬﺍﺏ ،ﻛﻞ ﻣﻨﻬﻢ ﻳﺮﻳﺪ
ﺃﻥ ﻳﻘﺒﺾ ﺭﻭﺣﻪ ، ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻣﻼﺋﻜﺔ ﺍﻟﻌﺬﺍﺏ : ﺇﻧﻪ ﻗﺘﻞ ﻣﺎﺋﺔ ﻧﻔﺲ
ﻭﻟﻢ ﻳﻌﻤﻞ ﺧﻴﺮﺍً ﺃﺑﺪﺍ ، ﻭﻗﺎﻟﺖ ﻣﻼﺋﻜﺔ ﺍﻟﺮﺣﻤﺔ ﺇﻧﻪ ﻗﺪ ﺗﺎﺏ ﻭﺃﻧﺎﺏ
ﻭﺟﺎﺀ ﻣﻘﺒﻼ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ، ﻓﺄﺭﺳﻞ ﺍﻟﻠﻪ ﻟﻬﻢ ﻣﻠﻜﺎ ﻓﻲ ﺻﻮﺭﺓ
ﺇﻧﺴﺎﻥ ، ﻭﺃﻣﺮﻫﻢ ﺃﻥ ﻳﻘﻴﺴﻮﺍ ﻣﺎ ﺑﻴﻦ ﺍﻷﺭﺿﻴﻦ ، ﺍﻷﺭﺽ ﺍﻟﺘﻲ ﺟﺎﺀ
ﻣﻨﻬﺎ ، ﻭﺍﻷﺭﺽ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﺎﺟﺮ ﺇﻟﻴﻬﺎ ، ﻓﺄﻣﺮ ﺍﻟﻠﻪ ﺃﺭﺽ ﺍﻟﺨﻴﺮ
ﻭﺍﻟﺼﻼﺡ ﺃﻥ ﺗﺘﻘﺎﺭﺏ ، ﻭﺃﺭﺽ ﺍﻟﺸﺮ ﻭﺍﻟﻔﺴﺎﺩ ﺃﻥ ﺗﺘﺒﺎﻋﺪ ، ﻓﻮﺟﺪﻭﻩ
ﺃﻗﺮﺏ ﺇﻟﻰ ﺃﺭﺽ ﺍﻟﺼﺎﻟﺤﻴﻦ ﺑﺸﺒﺮ ، ﻓﺘﻮﻟﺖ ﺃﻣﺮﻩ ﻣﻼﺋﻜﺔ ﺍﻟﺮﺣﻤﺔ ،
ﻭﻏﻔﺮ ﺍﻟﻠﻪ ﻟﻪ ﺫﻧﻮﺑﻪ ﻛﻠﻬﺎ .
ﺇﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻘﺼﺔ ﺗﻔﺘﺢ ﺃﺑﻮﺍﺏ ﺍﻷﻣﻞ ﻟﻜﻞ ﻋﺎﺹ ، ﻭﺗﺒﻴﻦ ﺳﻌﺔ ﺭﺣﻤﺔ
ﺍﻟﻠﻪ ، ﻭﻗﺒﻮﻟﻪ ﻟﺘﻮﺑﺔ ﺍﻟﺘﺎﺋﺒﻴﻦ ، ﻣﻬﻤﺎ ﻋﻈﻤﺖ ﺫﻧﻮﺑﻬﻢ ﻭﻛﺒﺮﺕ
ﺧﻄﺎﻳﺎﻫﻢ ﻛﻤﺎ ﻗﺎﻝ ﺍﻟﻠﻪ : } ﻗﻞ ﻳﺎ ﻋﺒﺎﺩﻱ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺃﺳﺮﻓﻮﺍ ﻋﻠﻰ
ﺃﻧﻔﺴﻬﻢ ﻻ ﺗﻘﻨﻄﻮﺍ ﻣﻦ ﺭﺣﻤﺔ ﺍﻟﻠﻪ ﺇﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﻳﻐﻔﺮ ﺍﻟﺬﻧﻮﺏ ﺟﻤﻴﻌﺎ
ﺇﻧﻪ ﻫﻮ ﺍﻟﻐﻔﻮﺭ ﺍﻟﺮﺣﻴﻢ { ( ﺍﻟﺰﻣﺮ 53 ) ، ﻭﻣﻦ ﻇﻦ ﺃﻥ ﺫﻧﺒﺎً ﻻ
ﻳﺘﺴﻊ ﻟﻌﻔﻮ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﻣﻐﻔﺮﺗﻪ ، ﻓﻘﺪ ﻇﻦ ﺑﺮﺑﻪ ﻇﻦ ﺍﻟﺴﻮﺀ ، ﻭﻛﻤﺎ
ﺃﻥ ﺍﻷﻣﻦ ﻣﻦ ﻣﻜﺮ ﺍﻟﻠﻪ ﻣﻦ ﺃﻋﻈﻢ ﺍﻟﺬﻧﻮﺏ ، ﻓﻜﺬﻟﻚ ﺍﻟﻘﻨﻮﻁ ﻣﻦ
ﺭﺣﻤﺔ ﺍﻟﻠﻪ ، ﻗﺎﻝ ﻋﺰ ﻭﺟﻞ : } ﻭﻻ ﺗﻴﺄﺳﻮﺍ ﻣﻦ ﺭﻭﺡ ﺍﻟﻠﻪ ﺇﻧﻪ ﻻ
ﻳﻴﺄﺱ ﻣﻦ ﺭﻭﺡ ﺍﻟﻠﻪ ﺇﻻ ﺍﻟﻘﻮﻡ ﺍﻟﻜﺎﻓﺮﻭﻥ { ( ﻳﻮﺳﻒ : 87 ) .
ﻭﻟﻜﻦ ﻻ ﺑﺪ ﻣﻦ ﺻﺪﻕ ﺍﻟﻨﻴﺔ ﻓﻲ ﻃﻠﺐ ﺍﻟﺘﻮﺑﺔ ، ﻭﺳﻠﻮﻙ ﺍﻟﻄﺮﻕ
ﻭﺍﻟﻮﺳﺎﺋﻞ ﺍﻟﻤﺆﺩﻳﺔ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻭﺍﻟﻤﻌﻴﻨﺔ ﻋﻠﻴﻬﺎ ، ﻭﻫﻮ ﻣﺎ ﻓﻌﻠﻪ ﻫﺬﺍ
ﺍﻟﺮﺟﻞ ، ﺣﻴﺚ ﺳﺄﻝ ﻭﺑﺤﺚ ﻭﻟﻢ ﻳﻴﺄﺱ ، ﻭﺿﺤﻰ ﺑﺴﻜﻨﻪ ﻭﻗﺮﻳﺘﻪ
ﻭﺃﺻﺤﺎﺑﻪ ﻓﻲ ﻣﻘﺎﺑﻞ ﺗﻮﺑﺘﻪ ، ﻭﺣﺘﻰ ﻭﻫﻮ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﺰﻉ ﺍﻷﺧﻴﺮ ﺣﻴﻦ
ﺣﻀﺮﻩ ﺍﻷﺟﻞ ﻧﺠﺪﻩ ﻳﻨﺄﻯ ﺑﺼﺪﺭﻩ ﺟﻬﺔ ﺍﻟﻘﺮﻳﺔ ﺍﻟﻤﺸﺎﺭ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻣﻤﺎ
ﻳﺪﻝ ﻋﻠﻰ ﺻﺪﻗﻪ ﻭﺇﺧﻼﺻﻪ .
ﻭﻫﺬﻩ ﺍﻟﻘﺼﺔ ﺗﺒﻴﻦ ﻛﺬﻟﻚ ﺃﻥ ﺍﺳﺘﻌﻈﺎﻡ ﺍﻟﺬﻧﺐ ﻫﻮ ﺃﻭﻝ ﻃﺮﻳﻖ
ﺍﻟﺘﻮﺑﺔ ، ﻭﻛﻠﻤﺎ ﺻَﻐُﺮَ ﺍﻟﺬﻧﺐ ﻓﻲ ﻋﻴﻦ ﺍﻟﻌﺒﺪ ﻛﻠﻤﺎ ﻋَﻈُﻢَ ﻋﻨﺪ
ﺍﻟﻠﻪ ، ﻳﻘﻮﻝ ﺍﺑﻦ ﻣﺴﻌﻮﺩ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ : " ﺇﻥ ﺍﻟﻤﺆﻣﻦ ﻳﺮﻯ
ﺫﻧﻮﺑﻪ ﻛﺄﻧﻪ ﻓﻲ ﺃﺻﻞ ﺟﺒﻞ ﻳﺨﺎﻑ ﺃﻥ ﻳﻘﻊ ﻋﻠﻴﻪ ، ﻭﺇﻥ ﺍﻟﻔﺎﺟﺮ
ﻳﺮﻯ ﺫﻧﻮﺑﻪ ﻛﺬﺑﺎﺏ ﻭﻗﻊ ﻋﻠﻰ ﺃﻧﻔﻪ ﻗﺎﻝ ﺑﻪ ﻫﻜﺬﺍ ﻓﻄﺎﺭ " ، ﻭﻫﺬﺍ
ﺍﻟﺮﺟﻞ ﻟﻮﻻ ﺃﻧﻪ ﻛﺎﻥ ﻣﻌﻈﻤﺎً ﻟﺬﻧﺒﻪ ، ﺧﺎﺋﻔﺎً ﻣﻦ ﻣﻌﺼﻴﺘﻪ ﻟﻤﺎ ﻛﺎﻥ
ﻣﻨﻪ ﻣﺎ ﻛﺎﻥ .
ﻭﺍﻟﻘﺼﺔ ﺃﻳﻀﺎً ﺗﻌﻄﻲ ﻣﻨﻬﺠﺎً ﻟﻠﺪﻋﺎﺓ ﺑﺄﻻ ﻳﻴﺄﺳﻮﺍ ﻣﻦ ﺇﻧﺴﺎﻥ ﻣﻬﻤﺎ
ﺑﻠﻐﺖ ﺫﻧﻮﺑﻪ ﻭﺧﻄﺎﻳﺎﻩ ، ﻓﻘﺪ ﺗﻜﻮﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﺑﺬﺭﺓ ﺧﻴﺮ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻪ
ﺗﺤﺘﺎﺝ ﺇﻟﻰ ﻣﻦ ﻳﻨﻤﻴﻬﺎ ﻭﻳﺴﻘﻴﻬﺎ ﺑﻤﺎﺀ ﺍﻟﺮﺟﺎﺀ ﻓﻲ ﻋﻔﻮ ﺍﻟﻠﻪ
ﻭﺍﻷﻣﻞ ﻓﻲ ﻣﻐﻔﺮﺗﻪ ، ﻭﺃﻻ ﻳﻜﺘﻔﻮﺍ ﺑﺤﺚِّ ﺍﻟﻌﺎﺻﻴﻦ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﻮﺑﺔ
ﻭﺍﻹﻧﺎﺑﺔ ، ﺑﻞ ﻳﻀﻴﻔﻮﺍ ﺇﻟﻰ ﺫﻟﻚ ﺗﻘﺪﻳﻢ ﺍﻟﺒﺪﺍﺋﻞ ﻭﺍﻷﻋﻤﺎﻝ ﺍﻟﺘﻲ
ﺗﺮﺳﺦ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﻓﻲ ﻗﻠﻮﺏ ﺍﻟﺘﺎﺋﺒﻴﻦ ، ﻭﺗﺠﻌﻠﻬﻢ ﻳﺜﺒﺘﻮﻥ ﻋﻠﻰ
ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ ، ﻭﻻ ﻳﺒﺎﻟﻮﻥ ﺑﻤﺎ ﻳﻌﺘﺮﺿﻬﻢ ﻓﻴﻪ ﺑﻌﺪ ﺫﻟﻚ .
ﻭﻓﻲ ﺍﻟﻘﺼﺔ ﺑﻴﺎﻥ ﻷﺛﺮ ﺍﻟﺒﻴﺌﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻌﻴﺶ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ
ﻭﺍﻷﺻﺤﺎﺏ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﺨﺎﻟﻄﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﺳﻠﻮﻛﻪ ﻭﺃﺧﻼﻗﻪ ، ﻭﺃﻥ ﻣﻦ ﺃﻋﻈﻢ
ﺍﻷﺳﺒﺎﺏ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻌﻴﻦ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﻮﺑﺔ ﻭﺍﻻﺳﺘﻘﺎﻣﺔ ﻫﺠﺮ ﻛﻞ
ﻣﺎ ﻳﺬﻛﺮ ﺑﺎﻟﻤﻌﺼﻴﺔ ﻭﻳﻐﺮﻱ ﺑﺎﻟﻌﻮﺩﺓ ﺇﻟﻴﻬﺎ ، ﻭﺻﺤﺒﺔ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺼﻼﺡ
ﻭﺍﻟﺨﻴﺮ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﺬﻛﺮﻭﻧﻪ ﺇﺫﺍ ﻧﺴﻲ ، ﻭﻳﻨﺒﻬﻮﻧﻪ ﺇﺫﺍ ﻏﻔﻞ ،
ﻭﻳﺮﺩﻋﻮﻧﻪ ﺇﺫﺍ ﺯﺍﻍ .
ﻭﻓﻴﻬﺎ ﻛﺬﻟﻚ ﺃﻫﻤﻴﺔ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﻭﺷﺮﻑ ﺃﻫﻠﻪ ، ﻭﻓﻀﻞ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﻋﻠﻰ
ﺍﻟﻌﺎﺑﺪ ﻓﺎﻟﻌﻠﻤﺎﺀ ﻫﻢ ﻭﺭﺛﺔ ﺍﻷﻧﺒﻴﺎﺀ ﺟﻌﻠﻬﻢ ﺍﻟﻠﻪ ﺑﻤﻨﺰﻟﺔ ﺍﻟﻨﺠﻮﻡ
ﻳُﻬﺘﺪﻯ ﺑﻬﺎ ﻓﻲ ﻇﻠﻤﺎﺕ ﺍﻟﺒﺮ ﻭﺍﻟﺒﺤﺮ.
منقول.
مرحبا بكم في مدونة طريق الحسنى. أسأل الله تعالى أن يجعل هذا العمل خالصا لوجهه الكريم. وأن يجعل هذه المدونة خادمة للإسلام يستفيد منها الجميع. قال تعالى:{لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ ۖ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ ۚ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴿٢٦﴾} [سورة يونس 26]. قال ابن الجوزي-رحمه الله-: ""من أحب ألا ينقطع عمله بعد موته فلينشر العلم"" (التذكرة ص 55). https://alhousnna.blogspot.com/
الخميس، 5 يونيو 2014
قتل مائة نفس.
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
جزاك الله خيرا على تعليقك.