قال ابنُ
القيِّم مَّبينا صفاتِ أهل العلمِ والإيمانِ:
"هُم إلى اللهِ ورسوله مُتحيِّزون، وإلى مَحْضِ سُنَّتِهِ
مُنْتَسِبُون.يَدِينُونَ دِينَ الحَقِّ أنَّى توجَّهَتْ رَكائبُهُ، ويستقرُّونَ معه
حيث استقرَّتْ مضارِبُهُ.لا تستفزُّهم بَدَواتُ آراء المُخْتَلِفِين، ولا تُزَلْزِلُهم
شُبُهاتُ المُبْطِلِين؛ فهُم الحُكَّامُ على أربابِ المقالات، والمُمَيِّزون َلِـما
فيها مِن الحقِّ والشُّبُهات. يردُّونَ على كُلٍّ باطِلَه، ويُوافقونَهُ فيما معه مِن
الحقِّ؛ فهم في الحقِّ سِلْمُهُ، وفي الباطلِ حَرْبُه. لا يميلون مع طائفةٍ على طائفةٍ،
ولا يَجْحَدُونَ حقَّها لِـمَا قالَتْه ُمِن باطِلٍ سِواه.بل هُم مُمْتَثِلون قولَ
الله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ
بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا
هُو َأَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُون"
فإذا كان قد نهى عبادَهُ أن يحملَهم بُغْضُهُم لأعدائِهم على أن لايعدلوا عليهم -مع
ظُهورِ عداوتِهم، ومخالفتهم، وتكذيبِهم لله ورسولِه-؛ فكيف يسوغُ لِـمَنْ يدَّعِي الإيمانَ
أنْ يحملَهُ بُغْضُهُ لطائفة ٍمُنْتَسِبَةٍ إلى الرسولِ تصيبُ وتُخطِئ على أن لا يعدلَ
فيهم، بل يُجَرِّدُ لهم العداوةَ وأنواعَ الأذى؟ !ولعلَّهُ لا يدري أنَّهُم أَوْلَى
بالله ورسولِه، وما جاء به مِنه -عِلماً، وعملاً، ودعوةً إلى الله على بصيرة، وصَبْراً
مِن قومِهم على الأذى في الله، وإقامةً لحُجَّةِ الله، ومعذِرةً لِـمَن خالفَهم بالجَهْلِ!
- .لا كَمَن نَصَبَ مقالةً صادرةً عن آراءِ الرِّجال، فدَعا إليها، وعاقَب َعليها،
وعادَى مَن خالَفَها بالعصبِيَّةِ وحَمِيَّةِ الجاهليَّة"
(بدائع الفوائد 2/649-650)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
جزاك الله خيرا على تعليقك.