قال الحافظ
ابن رجب الحنبلي رحمه الله تعالى :
ولما كثر اختلاف
الناس في مسائل الدين ، وكثر تفرقهم ، كثر بسبب ذلك تباغضهم وتلاعنهم ، وكل منهم يظهر
أنه يبغض لله ، وقد يكون في نفس الأمر معذورا ، وقد لا يكون معذورا ، بل يكون متبعاً
لهواه ، مقصراً في البحث عن معرفة ما يبغض عليه ، فإن كثيراً من البغض كذلك إنما يقع
لمخالفة متبوع يظن أنه لا يقول إلا الحق ، وهذا الظن خطأ قطعا ، وإن أريد أنه لا يقول
إلا الحق فيما خولف فيه ، فهذا الظن قد يخطئ ويصيب ، وقد يكون الحامل على الميل مجرد
الهوى ، أو الإلف ، أو العادة ، وكل هذا يقدح في أن يكون هذا البغض لله ، فالواجب على
المؤمن أن ينصح نفسه ، ويتحرز في هذا غاية التحرز ، وما أشكل منه ، فلا يدخل نفسه فيه
خشية أن يقع فيما نهي عنه من البغض المحرم.
وهاهنا أمر خفي
ينبغي التفطن له ، وهو أن كثيراً من أئمة الدين قد يقول قولا مرجوحاً ويكون مجتهداًفيه
، مأجوراً على اجتهاده فيه ، موضوعاً عنه خطؤه فيه ،ولا يكون المنتصر لمقالته تلك بمنزلته
في هذه الدرجة، لأنه قد لا ينتصر لهذا القول إلا لكون متبوعه قد قاله ، بحيث أنه لو
قاله غيره من أئمة الدين ، لما قبله ولا انتصر له ، ولا والى من وافقه ، ولا عادى من
خالفه ، وهو مع هذا يظن أنه إنما انتصر للحق بمنزلة متبوعه ، وليس كذلك ، فإن متبوعه
إنما كان قصده الانتصار للحق ، وإن أخطأ في اجتهاده ، وأما هذا التابع ، فقد شاب انتصاره
لما يظنه الحق إرادة علو متبوعه ، وظهور كلمته ، وأن لا ينسب إلى الخطأ ، وهذه دسيسة
تقدح في قصد الانتصار للحق ، فافهم هذا ، فإنه فهم عظيم ، والله يهدي من يشاء إلى صراط
مستقيم .
( جامع العلوم والحكم ، 2/267 )
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
جزاك الله خيرا على تعليقك.