اتفق العلماء من السلف الصالح - رحمهم الله – على أن الاحتفال بالمولد النبوي وغيره من المواسم غير الشرعية ، أمر محدث مبتدع في الدين ، ولم يؤثر ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه ، ولا عن التابعين وتابعيهم ، ولا علماء الأمة المشهورين كالأئمة الأربعة ونحوهم . قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : ( وأما اتخاذ موسم غير المواسم الشرعية كبعض ليالي شهر ربيع الأول ، التي يقال إنها ليلة المولد ، أو بعض ليالي رجب ، أو ثامن ذي الحجة ، أو أول جمعة من رجب ، أو ثامن شوال الذي يسميه الجهال عيد الأبرار ، فإنها من البدع التي لم يستحبها السلف ، ولم يفعلوها ، والله سبحانه وتعالى أعلم ) وقال – أيضا – في – " اقتضاء الصراط المستقيم " : (( فصل . ومن المنكرات في هذا الباب : سائر الأعياد والمواسم المبتدعة ، فإنها من المنكرات المكروهات سواء بلغت الكراهة التحريم ، أو لم تبلغه ؛ وذلك أن أعياد أهل الكتاب والأعاجم نهي عنها ؛ لسببين : أحدهما : أن فيها مشابهة للكفار . والثاني : أنها من البدع . فما أحدث من المواسم والأعياد هو منكر ، وإن لم يكن فيها مشابهة لأهل الكتاب ؛ ))
وقد ذكر رحمه الله تعالى توجيه ذلك فقال : (( أن ذلك داخل في مسمى البدع والمحدثات ، فيدخل فيما رواه مسلم في صحيحه عن جابر – رضي الله عنهما – قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب احمرّت عيناه ، وعلا صوته ، واشتد غضبه ، حتى كأنه منذر جيش يقول صبحكم ومساكم ، ويقول : ؛" بعثت أنا والساعة كهاتين – ويقرن بين إصبعيه : السبابة والوسطى - ويقول :" أما بعد ، فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل بدعة ضلالة " وفي رواية للنسائي : " وكل ضلالة في النار " . ))
وبين رحمه الله تعالى أن الزمان ثلاثة أنواع ويدخل فيها بعض أعياد المكان والأفعال أحدها : يوم لم تعظمه الشريعة الإسلامية أصلا ، ولم يكن له ذكر في السلف ، ولا جرى فيه ما يوجب تعظيمه ، مثل أول خميس من رجب ، وليلة تلك الجمعة التي تسمى الرغائب . النوع الثاني : ما جرى فيه حادثة كما كان يجري في غيره ، من غير أن يوجب ذلك جعله موسما ، ولا كان السلف يعظمونه : كثامن عشر ذي الحجة الذي خطب النبي صلى الله عليه وسلم بغدير خم مرجعه من حجة الوداع ... وكذلك ما يحدثه بعض الناس : إما مضاهاة للنصارى في ميلاد عيسى عليه السلام ، وإما محبة للنبي صلى الله عليه وسلم ، والله قد يثيبهم على هذه المحبة والاجتهاد لا على البدع – من اتخاذ مولد النبي صلى الله عليه وسلم عيدا مع اختلاف الناس في مولده ، فإن هذا لم يفعله السلف مع قيام المقتضي له وعدم المانع فيه لو كان خيرا ، ولو كان خيرا محضا أو راجحا لكان السلف – رضي الله عنهم – أحق به منا ، فإن كانوا أشد محبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتعظيما له منا ، وهم على الخير أحرص . وإنما كمال محبته وتعظيمه في متابعته وطاعته واتباع أمره ، وإحياء سنته ظاهرا وباطنا ، ونشر ما بعث به ،والجهاد على ذلك بالقلب واليد واللسان ، فإن هذه طريقة السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار ، والذين اتبعوهم بإحسان .
وأكثر هؤلاء الذين تجدهم حرّاصا على أمثال هذه البدع – مع ما لهم فيها من حسن القصد والاجتهاد – تجدهم فاترين في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عما أمروا بالنشاط فيه ، وإنما هم بمنزلة من يزخرف المسجد ولا يصلي فيه ، أو يصلي فيه قليلا ، وبمنزلة من يتخذ المسابيح والسجادات المزخرفة ، وأمثال هذه الزخارف الظاهرة التي تُشرع ، ويصحبها من الرياء والكبر والاشتغال عن المشروع بما يفسد حال صاحبها .
المراجع : كتاب لطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف لابن رجب الحنبلي
كتاب البدع الحولية لعبدالله بن عبدالعزيز التويجري
كتاب البدع الحولية لعبدالله بن عبدالعزيز التويجري
المصدر المفكرة الإسلامية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
جزاك الله خيرا على تعليقك.