قال ابن القيم - رحمه الله - :
(( ولا ريب أن القلب يصدأ كما يصدأ النحاس والفضة وغيرهما ، وجلاؤه بالذكر ، فإنه يجلو حتى يدعه كالمرآة البيضاء ، فإذا تُرك الذكر ؛ صَدِئ ، فإذا ذُكر ؛ جلاه .
وصدأ القلب بأمرين : بالغفلة والذنب .
وجلاؤه بشيئين : بالاستغفار والذكر .
فمن كانت الغفلة أغلب أوقاته ؛ كان الصدأ متراكبا على قلبه ، وصداؤه بحسب غفلته .
وإذا صدئ القلب لم تنطبع فيه صور المعلومات على ما هي عليه ، فيرى الباطل في صورة الحق ، والحق في صورة الباطل ؛ لأنه لما تراكم عليه الصدأ أظلم ، فلم يظهر فيه صور الحقائق كما هي عليه .
فإذا تراكم عليه [أي: على القلب] الصَّدَأ واسْوَدَّ ، وركبه الرَّانُّ : فسد تصوُّره وإدراكه ، فلا يقبل حقاً ، ولا ينكر باطلاً ، وهذا أعظم عقوبات القلب .
وأصل ذلك من الغفلة ، واتباع الهوى ؛ فإنهما يطمسان نور القلب ، ويعميان بصره .
قال الله تعالى : {ولا تُطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتَّبع هواه وكان أمره فُرُطاً} .
فإذا أراد العبد أن يقتدي برجل فلينظر :
هل هو من أهل الذكر ، أو من الغافلين ؟
وهل الحاكم عليه الهوى أو الوحي ؟
فإن كان الحاكم عليه هو الهوى ، وهو من أهل الغفلة وأمره فُرُطٌ : لم يَقْتَدِ به ولم يتبعه ؛ فإنه يقود إلى الهلاك .
ومعنى الفُرُط : قد فُسِّر بالتضييع ، أي : أمره الذي يجب أن يلزمه ويقوم به ، وبه رشده وفلاحه : ضائع قد فَرَّط فيه .
وفُسِّر بالإسراف ، أي : قد أفرط . وفُسِّر بالهلاك . وفُسِّر بالخلاف للحق . وكلها أقوال متقاربة .
والمقصود أن الله سبحانه وتعالى نهى عن طاعة من جمع هذه الصفات ، فينبغي للرجل أن ينظر في شيخه وقدوته ومتبوعه ؛ فإن وجده كذلك فليَبْعُد عنه ، وإن وجده ممن غلب عليه ذكر الله تعالى واتباع السنة ، وأمره غير مفروط عليه ، بل هو حازم أمره : فليَتَمَسَّك بغَرْزِه )) .
[ الوابل الصيَّب (ص٩٢-٩٣) ]
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
جزاك الله خيرا على تعليقك.